203

Duroos of Sheikh Abdullah Al-Jalali

دروس للشيخ عبد الله الجلالي

اصناف

قوله تعالى: (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض)
يبين الآيات الكونية بعد بيان الآيات الشرعية من أجل أن يعرف الإنسان فيها قدرة الخالق، فيعيش في رحاب الإيمان، فيقول الله تعالى عن الآيات الأولى من هذه الآيات الكونية: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور:٤١] هذه آية من آيات الله ﷿، آية كونية، ألم تعلم -أيها الإنسان المكذب بربه ﷾ أن الله تسبح له كل المخلوقات، فإن لم تسبح له أنت فاعلم أن كل المخلوقات تسبح لله، حتى الحجارة والجمادات، وحتى الطير في الهواء، وحتى السمك في الماء، كلها تسبح لعظمة الله ﷿، إذًا لو كفرت -أيها الإنسان- بربك فأنت جزء بسيط من مخلوقات الله، فإن الله ﷾ يقول: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء:٤٤].
إذًا معنى ذلك -أيها الإنسان- أنك إن كفرت بالله فإنه غني عنك، له خزائن السماوات والأرض، له جنود السماوات والأرض، ولذلك الله تعالى يقول في سورة الحج: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ﴾ [الحج:١٨] إذًا بقي جزء آخر من الناس لا يسبحون لله، فما يضر هذا الكون أن يكون هناك من لا يسبح لله من بني آدم، أو من الجن والإنس ما دامت هذه المخلوقات كلها تسبح لله ﷿.
فالمصيبة في كثير من الناس، أما سائر المخلوقات فإنها تسبح لله ﷿ كلها، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [النور:٤١] أي: ألم تعلم أيها الإنسان المكذب ﴿أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [النور:٤١] والذين في السماوات هم الملائكة، تصور يا أخي كثرة الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله ﷿، قال ﷺ: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع شبر إلا وملك ساجد واضع جبهته لله ﷿، السماء العظيمة التي تعتبر الأرض ذرة صغيرة من ذرات هذا الكون والذي تحيط به سبع سماوات، ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك ساجد لله ﷿.
إذًا معنى ذلك أن الإنسان أصغر المخلوقات، وهذا الكوكب الصغير الذي يعيش الإنسان فيه جزء بسيط من الكون، إذًا لله ﷿ جنود السماوات والأرض.
ثمانية ملائكة في كل يوم وليلة موكلون بالإنسان، أربعة كتبة، وأربعة حفظة، والأربعة الكتبة: اثنان في الليل، واثنان في النهار، والحفظة: اثنان في الليل واثنان في النهار، المجموع ثمانية لكل واحد من الناس، إذًا: كم عدد الملائكة؟ لا يحصي عددهم إلا الله ﷿، فالله تعالى يقول عن الكتبة: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:١٨]، ويقول عن الكتبة أيضًا: ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار:١١ - ١٢]، ويقول عن الحفظة الذين يحفظونه من أمر الله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد:١١] ويقول ﷺ: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر) صلاة الصبح التي ينام عنها كثير من الناس.
إذًا الأمر عظيم، وجند الله لا يحصي عددهم إلا الله ﷿، فالله تعالى هنا يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [النور:٤١]، والطير ليست في السماء ولا في الأرض، ولكنها في السماء اللغوية، والسماء اللغوية: هي كل ما علا مما هو بين السماء والأرض.
فقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) أي: وهي باسطة أجنحتها تسبح لله ﷿، لكن بطريقة نحن لا نعرفها، تسمع الصوت ولا تدري ماذا يقول هذا الطير، ولكن الله ﷿ يعلم تسبيحها، ويرى حركاتها وسكناتها، فهذه من قدرة الله ﷿، والطير تسبح وهي باسطة أجنحتها في الفضاء، وقد تقبض أجنحتها في الفضاء ولا تسقط على الأرض ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ﴾ [الملك:١٩].
(كلٌ) أي: كل واحد من هذه المخلوقات (قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) فالصلاة للعقلاء، والتسبيح لغير العقلاء، الصلاة للملائكة والجن والإنس، أما ما سوى ذلك من المخلوقات فلها تسبيح لكن بطريقه نحن لا ندركها، لا يدركها إلا الله ﷿.
(كل قد علم) فاعل علم يحتمل أن المراد به هو الله ﷿، أي أن الله ﷿ علم صلاة وتسبيح هذه المخلوقات، ولو كان في جنح الليل المظلم، ولو كان في جوف البحر فإن الله تعالى يعلم صلاته وتسبيحه، ويحتمل أن الضمير في (علم) يعود إلى (كل)، أي: لهذه المخلوقات.
كل واحد منها علم صلاة نفسه وتسبيحها.
(والله عليم بما يفعلون)، وهذا يؤيد المعنى الأول، أي: ما تفعله هذه المخلوقات من خير أو شر لا يخفى على الله ﷾.

7 / 3