337

درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة

درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة

اصناف

============================================================

رهبة من سطوته، أو رغبة في نعمته، بحيث صاروا هم خفراء القوافل في الأسفار بعدما كانوا يقطعون عليها الطريق ويخيفون السبيل، وصاروا أيضا يركبون في جناحي عسكر الشلطان وهم في سكون ودعة، كل ذلك بن سياسته وكانت له مع ذلك رغبة عظيمة في علم الأدب، وشبغف زائد بكتبه وجمع شوارده، مع المعرفة التامة بنقد الشعر؛ فقرب الأدباء، وأدناهم منه، واختص بهم، وأفاض عليهم سحائب كرمه، وملأ أيديهم بجزيل نعمه. وكان يحث الأمثال العربية ويحفظ منها كثيرا، فيذاكر منها ومن أشطار بيوت الشعر بما لا يدانيه فيه أحد من آدبائه، ويجيب بها في الوقائع على البديهة، ويوقع منها بخطه من غير فكر ولا روية ما يبهر العلماء، ويعجب به الأدباء؛ وذلك أنه أمر بشرح "المستقصى" للزمخشري شرحا واسعا، فكتب له منه ثلاث مجلدات، ولو كمل لجاء في مثة مجلد، وجمع له أيضا ما في كتب اللغة، وكتب التاريخ، وكتب الأدب من الأمثال في مجلد. ثم شرع في شرحها فلم يكمل منه سوى مجلد واحد، وأمر أيضا بضبط ألفاظ كتاب "أساس البلاغة" وكتاب لامقاييس الأصول" في الشواهد في كتاب يسمى "كامل الصناعة" فلم يكتب منه إلا الثث، وانقضت أيامه دون تمام ذلك كله.

فمن توقيعاته على قصة رفعت إليه تتضمن الشكوى من طائفة تكررت منهم الجرائم، وتعودوا سلوك طرق المفاسد فكتب بخطه في الحال عليها: "لو نهيت الأولى لانتهت الآخرة، وإنما ذهبت هيف لعاداتها، فلما آخذوا طريق العنصلين طارت بهم العنقاء، وأودى بهم عقاب ملاع فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وماذا ترتجي من قلب قوم هم الأعداء والأكباد سود".

وكان يتأله بمحبة الصوفية، ويقدمهم على من عداهم، ويميزهم على سواهم، ويوالي من يحبهم، ويعادي من ينكر عليهم؛ فجرت في

صفحہ 337