دموع البلياتشو
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
اصناف
لم يأتني نوم، لم تنفتح نفسي لقراءة كتاب ولا كتابة حرف. رقدت على السرير مفتوح العينين. كان الديك يبدو أمامي مرة وهو منكمش ذليل في قاع المنور، وأخرى وهو يصيح على السطوح أو يقف بأبهته وكبريائه فوق الساتر، لم يكن في الحقيقة بسيطا عاديا بالنسبة لي، فقد اهتممت به منذ أن حضر إلى البيت - بعد أن سبقته سمعته وأصله وفصله - كما رحت ألاحظه وهو يكبر وينمو ريشه ويحتل مكانه بين الدجاجات كرب أسرة مسئول، لا بل كواحد من أفراد أسرتنا نحن، أو كقطعة من نفسي عزيزة، بحكم الأنانية على الأقل، فقد كان كما قلت يحمل اسمي الذي أطلقته أمي عليه على سبيل المزاح أو الجد لا أدري.
دخلت أمي الحجرة وتركت الباب مواربا وراءها، سألتني إن كنت لا أزال صاحيا، قلت: إنني لا يأتيني نوم. قالت: هو أجله يا ابني. قلت: الديك حي يا أمي، لا تنسي أنه حي. قالت: يا ابني ما يعرف الحي من الميت إلا الله، زمانه مات من العتمة والرطوبة. قلت: أنا متأكد أنه حي، سمعته بأذني، قالت: أوهام يا ابني، تلاقيه خفاش أو وطواط. صحت فجأة: قلت لك هو الديك بعينه، أنا أعرفه وأعرف دقة قلبه. ضحكت وهي تشد شعري بيدها وقالت: يعني حطيت عليه الساعة؟ ولا يعني دكتور؟ قلت غاضبا: قلت لك الديك لسه حي ولازم نعمل حاجة! قالت في حسرة: العمل عمل الله يا ابني، وإيه اللي نعمله؟
قلت: أنزل له تحت بأي طريقة.
قالت: والمسلح؟ تكسره بأسنانك؟
أيقنت من عبث الفكرة فلو وافق أبي عليها بمعجزة فسوف يبقى أن نأخذ رأي صاحب البيت، والله أعلم إن كان سيقبل مناقشتها على الإطلاق.
قلت: ننزل له قفص في حبل؟
ضحكت من قلبها وقالت: هوه بهلوان يا ابني؟ وإيه اللي ها يعرفه أن القفص عشانه؟
ضحكت أنا أيضا من سخف الفكرة، وسألت نفسي لماذا لم يخلق الله للديكة عقولا يميزون بها إذا وقعوا في مثل هذه الورطة.
عدت أقول: إذن نفسخ الشقة.
دقت أمي بيدها على صدرها وصاحت: عاوز الصول يقتلنا؟
نامعلوم صفحہ