68

ضحیٰ اسلام

ضحى الإسلام

اصناف

وهو رأي في أشد العنف والقسوة على العرب وخصائصهم، قل أن نرى شعوبيا متطرفا وصل إلى ما وصل إليه في صراحته وشدته، ولكنه في رأينا كان مسلما حقا حر التفكير في حدود الدين، على حين أنا نرى قوما آخرين لم يفرقوا بين العرب والإسلام، وأدتهم كراهيتهم للعرب إلى كراهيتهم لكل ما جاء عنهم، ومن ذلك الدين، وقد حكى الجاحظ عن قوم من هؤلاء، فقال: «وربما كانت العداوة من جهة العصبية؛ فإن عامة من ارتاب بالإسلام إنما جاءه ذلك من الشعوبية، فإذا أبغض شيئا أبغض أهله، وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة، فلا تزال الحالات تنتقل به حتى ينسلخ من الإسلام؛ إذ كانت العرب هي التي جاءت به، وكانوا السلف.»

11

وقد دعت هذه النزعة قوما إلى أن يتبرموا من الشعوبية؛ إذ هي باب الإلحاد. (6)

نلحظ شيئا من الوفاق بين بعض تعاليم الخوارج والشيعة والمعتزلة؛ فالخوارج كما علمت يرون أن الخليفة لا يشترط فيه أن يكون قرشيا، بل ولا عربيا، والذي أرى أن هذه النزعة منهم لا يقصد منها تحقير العرب، وإعلاء شأن غيرهم، وكيف يكون ذلك وأكثر الخوارج كانوا عربا خلصا، وهذا الرأي صدر عنهم حين الخلاف بين علي ومعاوية، والشعوبية لم تتكون بعد؛ فالظاهر أن رأيهم هذا صدر عن اجتهاد بحت، دعا إليه محض الرغبة في إصلاح أمور المسلمين. وأما المعتزلة فنرى المسعودي يقول: «وقد زعم جماعة من المتكلمين منهم ضرار بن عمرو، وثمامة بن أشرس، وعمرو بن عثمان الجاحظ أن النبط خير من العرب.» وهؤلاء الثلاثة من رءوس المعتزلة . وأرى أن رأي المسعودي (وتبعه في ذلك «جولدزيهر»

12 ) خطأ، ويظهر لي أن خطأهما جاء: من أن ضرارا وأصحابه ذهبوا إلى أبعد ما ذهب إليه الخوارج، فلم يقتصروا على أن يقولوا: إن الخلافة لا يلزم أن تكون في قريش ولا في العرب، بل قالوا: إن غير العربي ولو نبطيا أولى من القرشي؛ لأنه يسهل خلعه إذا جار وظلم. ودليلنا على ذلك ما جاء في شرح النووي على مسلم: «ولا اعتداد بسخافة ضرار بن عمرو في قوله: إن غير القرشي من الهوان خلعه إن عرض منه أمر.»

13

وقد فهم الفاهمون من هذا أن ضرارا وصحبه يفضلون النبطي على العربي، وهو فهم غير صحيح بل هو العكس، يرمي في وضوح إلى القول بأن العربي أشرف، وأن من المصلحة أن نولي غير المعتز بعصبيته ليسهل خلعه، وذكر النبطي على أنه مثل في الخسة! والجاحظ - بوجه خاص - من الصعب عده شعوبيا؛ فقد انبرى في كتابه «البيان والتبيين» للرد على مطاعن الشعوبية، وسفه رأيهم، بما يدل على إخلاص فيما يقول، نعم إنه ألف رسالة في فضل الموالي، وعد مناقبهم، ولكنه ذكر ذلك على لسانهم، وقد صرح بأنه ألف هذه الرسالة أيام المعتصم جالب الأتراك، وذكر أنه إنما ألفها لا ليفضل بها بعض الجنود على بعض: «وقد كانت جند الخلافة إذ ذاك على خمسة أقسام؛ خراساني، وتركي، ومولى، وعربي، وبنوي.»

14

وإنما ألفها ليؤلف بين قلوبهم إن كانت مختلفة، وليزيد في الألفة إن كانت مؤتلفة.

15

نامعلوم صفحہ