145

ضحیٰ اسلام

ضحى الإسلام

اصناف

فلا عجب إن رأينا الحياة لاهية لاعبة، ورأينا شعر الشعراء في ذلك العصر إلا القليل منهم داعرا فاجرا.

وهنا ظاهرة واضحة، وهو أن هذا العراق الذي كان في العصر الأموي جادا إذا قيس بغيره من الشام والحجاز

68

أصبح الآن في العصر العباسي لاهيا، بل هو محط أنظار اللاهين، وسائر الأمصار إنما تقتبس من لهوه.

والسبب في ذلك أمور أهمها - على ما يظهر - شيئان؛ الأول: المال؛ فالعراق كان مصب أموال المملكة الإسلامية الغنية - بحكم أنه مركز الخلافة - والمال كل شيء في اللهو يتبعه حيث يكون الترف، وإنما يكون الترف حيث يكون المال، والعراق أكثر البلدان مالا، وأعزه جاها، وكل نابغ في فن - ومنه الأدب - إنما ينفق سوقه في العراق، ومن نبغ في غيره ولم يرحل إليه خمل ذكره، وضاع فنه، فأي مغن مشهور لم يكن في العراق؟ وأي نابغة في الشعر لم يكن في العراق؟ وأي جارية امتازت بجمال أو غناء لم تكن في العراق؟

والسبب الثاني: أن العراق كان أكثر بلاد الله خليطا، فقديما تعاقبت عليه أمم مختلفة، ومدنيات متتابعة، وفي العصر العباسي كان حاضرة الخلافة، وكان مقصد الأمم. وكان مسكن العنصر الأرستقراطي من الفرس، وكان محط الراحلين من الهند والروم وغيرهم. وكان يجلب إليه أحاسن الرقيق من كل جنس، ولهؤلاء جميعا تاريخ في اللهو، وإمعان في الحضارة، وتفنن في التر ف، فلما حلوا بالعراق ووجدوا السبل ممهدة عرضت كل أمة فنها، وأنواع حضارتها، فكان من ذلك معرض عام أخذ العراق من كل شيء منه بحظ وافر، وأخذت البلدان الأخرى من العراق بقبس. •••

ولكن من الحق أن نقول: إن هذا الوصف الذي وصفنا ليس حال الناس جميعهم، فما كانوا كلهم أغنياء ولا كلهم هازلين، وما كان ذلك لأمة من الأمم في أي عصر من العصور، وما كان العالم الإسلامي كله هو العراق وملاهيه، ولا كان العراق كله يحيا هذه الحياة؛ فإن أنت قرأت كتاب الأغاني، وتنقلت في صحفه من ضرب من اللهو إلى ضرب، أو قرأت ديوان أبي نواس فرأيت أكثره خمرا ومجونا، فلا تظن أن ذلك يمثل حياة العصر بأجمعها، إنما هو يمثل ناحية واحدة من نواحيها المتعددة، ووجوهها المختلفة، وعذر الأغاني أنه ألف في طبقات المغنين، والمغنون في كل عصر موطن اللهو وبيئة المجون.

على أننا نريد أن ننبه على أمر فطن له ابن خلدون وهو: وضع الأخبار الكاذبة في الملاذ تقربا إلى الكبراء، فكانوا يبالغون في أخبار الملاهي ليغروهم عليها، وليكسبوا هم من وراء ذلك مالا أو جاها أو نحوهما.

حور وولدان ومن كل ما

تطلبه فيها سوى الناس!

نامعلوم صفحہ