Dr. Ragheb El-Sergany's Lessons
دروس الدكتور راغب السرجاني
اصناف
دور رمضان في بناء الأمة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فأهلًا ومرحبًا بكم في هذا الجمع المبارك، وأسأل الله ﷿ أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.
وبعد: كما تعلمون فنحن وأمة الإسلام جميعًا نعيش لحظات عظيمة من السعادة؛ لأننا نقترب من حدث جليل، حدث يفيض على أمة الإسلام كل عام باليُمن والبركات والخير والرحمة، حدث ينتظره الكبير والصغير، ينتظره الرجل والمرأة، ينتظره الغني والفقير، ألقى الله ﷿ محبته في قلوب المؤمنين جميعًا، حتى في قلوب الأطفال، نحن ننتظر شهر رمضان، ونحن نرى إلى أي حد تكون سعادة الأطفال برمضان، وهم لا زالوا لا يعرفون صيامًا ولا قيامًا ولا ثوابًا ولا حسنات، نرى انتظار الناس لرؤية الهلال وإلى أي حد تكون الفرحة في القلوب عندما نعلم أن رمضان غدًا.
شهر رمضان يا إخوة عظيم جدًا في ميزان الإسلام، فتعالوا نرى وصف رسول الله ﷺ لهذا الحدث الجليل، روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة ﵁ قال: (لما حضر رمضان قال رسول الله ﷺ: قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه).
هناك أحداث ضخمة حصلت وستحصل في هذا الشهر، كما أخبر رسول الله ﷺ عن تغييرات كونية هائلة: أولًا: (تفتح فيه أبواب الجنة).
ثانيًا: (وتغلق فيه أبواب الجحيم).
ثالثًا: (وتغل فيه الشياطين).
إذًا: فيه فرص لعمل الخير، ودخول الجنة، والنجاة من النار، والانتصار على الشياطين، فرص كبيرة جدًا في رمضان، وهو شهر رحمة من الله ﷿، يعود فيه المؤمن إلى ربه، ويهدم فيه المؤمن كل ما بناه إبليس وأتباعه في شهور طويلة، ثم هو هدية من الرحمن ﷿، يقول الرسول ﷺ في نفس الحديث: (فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)، وأنا في رأيي أن نترك تحديد ليلة القدر بثلاث وثمانين سنة كما تقول الناس، إنما الأمر في تقدير الله ﷿، والأمر للتعظيم والتبجيل والتكريم، والموفق لخير هذه الليلة هو من وفقه الله ﷿، وليس كل الناس ستعرف ليلة القدر، وليس كل الناس ستستغل ليلة القدر.
إذًا: الموفق هو من بذل وتعب وسهر وقدم لإدراك تلك الليلة، هو من اشتاق إليها اشتياقًا حقيقيًا، ننتظر ليلة القدر، هو من كان قبل رمضان يحسب الحسابات كم بقي من الأيام على مجيء رمضان، هو من ظل أثناء رمضان يخشى أن ينتهي الشهر الكريم، عنده استعداد كبير لحدث كبير.
نسأل الله ﷿ أن يبلغنا رمضان، وأن يوفقنا فيه إلى صالح العمل، وأن يهبنا فيه رحمة ومغفرة وعتقًا من النار.
حديثي معكم اليوم عن رمضان ليس حديثًا تقليديًا لن أتحدث عن أحكام رمضان، ولن أتحدث عن فضائل رمضان، ولن أتحدث عن آداب رمضان، ولكن سأتحدث معكم اليوم عن دور رمضان في بناء الأمة الإسلامية، حديثي معكم اليوم من القلب، وأسأل الله ﷿ أن يصل أيضًا إلى القلب.
الأمة الإسلامية يا إخواني صرح عظيم هائل، وبناء الأمم بصفة عامة أمر شاق مهول، فما بالكم لو كنا نبني خير أمة أخرجت للناس: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:١١٠].
ما بالكم لو كنا نبني الأمة الشاهدة الوسط: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:١٤٣]، هذا البناء الضخم يحتاج إلى مجهود عظيم وتفكير عميق وإمكانيات هائلة، كما أنه يحتاج إلى أساس متين قوي يستطيع أن يحمل فوقه البناء الهائل، فأي عمارة ضخمة تحتاج إلى أساس متين، والله ﷿ وضح لنا في شرعه كل شيء، وضح لنا كيف يكون الأساس لهذا الصرح العظيم، صرح الإسلام.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر ﵄ أنه قال: قال رسول الله ﷺ: (بني الإسلام على خمس) ها هو البناء يبنى على أساسات وأعمدة خمسة: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)، خمسة أعمدة رئيسية منها: صوم رمضان، هذا أمر في غاية الأهمية.
الإسلام دين واسع جدًا، دين يشمل كل أمور الحياة، يشمل عقيدة وصلاة وصومًا وحجًا وعمرة، يشمل زكاة وصدقة واعتكافًا وقيامًا، ويشمل علومًا مختلفة وآدابًا عديدة، وفضائل جمة، يشمل بيوعًا ومعاملات وتجارة وزراعة وصناعة، يشمل حروبًا ومعاهدات وأحلافًا
3 / 2