وقال أهل العلم: إن غضبه وسخطه هو عقوبته وناره. وإن حبه ورضاه هو ثوابه وجنته. ولا يجوز أن تكون العقوبة إلا محدثة؛ لأنه لا يجوز أن يحدث ذلك إلا عندما يستحقه منه المذنب، ولو كان لم يزل غضبانا على من لم يعصه لكان بذلك ظالما له (¬1) . وأيضا: فلو كان لم يزل غضبانا لنفسه لا بحدوث غضب لم يجز أن يصير راضيا. ولو كان راضيا لنفسه لم يجز أن يغضب.
ويستحيل أن يقال: لم يزل راضيا لنفسه وساخطا لنفسه، كما يستحيل أن يكون لم يزل جاهلا بنفسه، ولم يزل عالما بنفسه، ولم يزل عاجزا بنفسه، ولم يزل قادرا بنفسه، فصح بهذا أن الرضا والغضب وسائر ما ذكرنا هي أفعاله إذ كان موصوفا بها وبأضدادها، من نحو الكراهة والإرادة والحب والبغض؛ لأن أضداد صفاته لذاته لا تجوز عليه، كما لم يجز عليه الجهل لما كان لم يزل بنفسه عالما. ولم يجز عليه العجز لما كان لم يزل بنفسه قادرا. ولا يجوز عليه الحدث لما كان لم يزل بنفسه قديما. فصح بهذا أن ما جاز أن يوصف به وبضده، أو بالقدرة على ضده من نحو الإرادة والكراهة، والحب والبغض والرضا والغضب والسخط أن ذلك هو فعله.
* مسألة [هل يجوز: لم يزل الله ساخطا أو راضيا ؟]:
إن سأل سائل فقال: هل يجوز أن يوصف الله تعالى بأنه لم يزل ساخطا على أهل النار ولم يزل راضيا على أهل الجنة، قيل له: نعم، على أنه هو المعاقب لأهل النار، والمثيب لأهل الجنة. وينظر في هذه المسألة والتي قبلها.
فصل [وصف الله تعالى بأنه يحب ويبغض]
صفحہ 10