458
هو الذي جعل الاستغاثة بالمخلوق ودعاءه سببًا في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؟ ومن الذي قال: إنك إذا استغثت بميت، أو غائب من البشر كان، أو غيره كان ذلك سببًا في حصول الرزق، والنصر والهدى، وغير ذلك، مما لا يقدر عليه إلا الله؟ ومن الذين شرع ذلك وأمر به؟ ومن الذي فعل ذلك من الأنبياء والصحابة والتابعين لهم بإحسان؟ فإن هذا المقام يحتاج إلى مقدمتين:
أحدهما: أن هذه الأسباب مشروعة لا يحرم فعلها، فإنه ليس كل ما كان سببًا كونيًا يجوز تعاطيه، فإن المسافر قد يكون سفره سببًا لأخذ ماله، وكلاهما محرم، والدخول في دين النصارى قد يكون سببًا لمال يعطونه، وهو محرم، وشهادة الزور قد تكون سببًا لنيل المال يؤخذ من المشهود له، وهو حرام، وكثير من الفواحش والظلم قد يكون سببًا لنيل مطلب، وهو محرم، والسحر والكهانة سبب في بعض المطالب، وهو محرم، وكذلك الشرك كدعوة الكواكب والشياطين، بل وعبادة البشر قد يكون سببًا لبعض المطالب، وهو محرم.
فإن الله تعالى حرم من الأسباب ما كان مفسدته راجحة على مصلحته، كالخمر وإن كان يحصل به بعض الأغراض أحيانًا، وهذا المقام ما يظهر به ضلال هؤلاء

1 / 457