فغضب عبد عمرو وقال: لقد قال في الملك أقبح من هذا، فقال عمرو بن هند: وما الذي قال؟ فندم عبد عمرو على الذي سبق منه وأبى أن يسمعه ما قال. فقال اسمعنيه وطرفة أمين. فأسمعه القصيدة التي يقول فيها طرفة:
فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثًا، حول قبتنا تخورُ (١)
لعمرك إن قابوس بن هندٍ ... ليخلط ملكه نوك كثيرُ (٢)
فسكت عمرو على ما وقر (٣) في نفسه وكره أن يُعجل على طرفة لمكان قومه، فلما طالت المدة ظن طرفة أنه قد رضي عنه وكان المتلمس قد هجا عمرو بن هند أيضًا. فقدما إليه فجعل يريهما المحبة ليأنسا به، فلما طال مقامهما عنده قال لهما: لعلكما اشتقتما إلى أهلكما. قالا: نعم. فكتب لهما إلى عامله بالبحرين وهجر واسمه ربيعة بن الحارث العبدي. ولقبه المعكبر فلما هبطا النجف وقيل أرضًا قريبة من الحيرة، إذ هما بشيخ معه كسرة يأكلها وهو يتبرز ويقتل القمل. فقال له المتلمس: بالله ما رأيت شيخًا أحمق منك ولا أقل عقلًا. فقال له الشيخ: وما الذي أنكرت علي؟ فقال: تتبرز وتأكل وتقتل القمل! قال: إني أُخرج خبيثًا وأدخل طيبًا وأقتل عدوًا. ولكن أحمق مني من يجعل حتفه بيمينه وهو لا يدري، فتنبه المتلمس فإذا هو بغلام من أهل الحيرة فقال له: يا غلام أتقرأ؟ قال: نعم. ففتح كتابه ودفعه إليه فلما نظر إليه قال: ثكلت المتلمس أمه. وإذا في الكتاب: إذا أتاك المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيًا. فرمى المتلمس صحيفته في نهر يقال له كافر ثم تبع طرفة ليدركه وقال له: تعلم أن ما كتب فيك إلا بمثل ما كتب فيّ. فقال طرفة: إن كان قد اجترأ عليك فما كان ليجترئ علي. فهرب المتلمس إلى الشام وانطلق طرفة إلى العامل المذكور،
_________
(١) الرغوث: الناقة المرضعة.
(٢) النوك: الحماقة.
(٣) وقر: سمع.
1 / 7