Disobedience to Parents: Causes - Manifestations - Remedies

Muhammad bin Ibrahim Al-Hamad d. Unknown

Disobedience to Parents: Causes - Manifestations - Remedies

عقوق الوالدين: أسبابه - مظاهره - سبل العلاج

ناشر

الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات

اصناف

[مقدمة] عقوق الوالدين

نامعلوم صفحہ

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: فإن حق الوالدين عظيم، ومنزلتهما عالية في الدين؛ فبرهما قرين التوحيد، وشكرهما مقرون بشكر الله ﷿ والإحسان إليهما من أجل الأعمال، وأحبها إلى الكبير المتعال. قال الله ﷿: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: ٣٦] وقال الله ﷿: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الأنعام: ١٥١] وقال الله ﵎: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: ٢٣ - ٢٤]

1 / 3

وقال الله ﷿: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: ١٤] ثم إن الأحاديث في هذا السياق كثيرة جدا، منها ما رواه ابن مسعود ﵁ قال «سألت رسول الله ﷺ: " أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله» (١) . ثم إن بر الوالدين مما أقرته الفطر السوية، واتفقت عليه الشرائع السماوية، وهو خلق الأنبياء، ودأب الصالحين. كما أنه دليل على صدق الإيمان، وكرم النفس، وحسن الوفاء. وبر الوالدين من محاسن الشريعة الإسلامية؛ ذلك أنه اعتراف بالجميل، وحفظ للفضل، وعنوان على كمال الشريعة، وإحاطتها بكافة الحقوق.

(١) رواه البخاري (٥٢٧)، ومسلم (٨٥) .

1 / 4

بخلاف الشرائع الأرضية التي لا تعرف للوالدين فضلا، ولا ترعى لهما حقا، بل إنها تتنكر لهما، وتزري بهما. وها هو العالم الغربي بتقدمه التكنولوجي شاهد على ذلك؛ فكأن الأم في تلك الأنظمة آلة إذا انتهت مدة صلاحيتها ضرب بها وجه الثرى. وقصارى ما تفتقت عنه أذهانهم من صور البر أن ابتدعوا عيدا سنويا سموه: (عيد الأم) . حيث يقدم الأبناء والبنات في ذلك اليوم إلى أمهاتهم طاقات الورد معبرين لهن عن الحب والبر. هذا منتهى ما توصلوا إليه من البر، يوم في السنة لا غير! أين الرعاية؟ أو أين الترحم؟ أو أين الوفاء؟ ! لا علم لهم بتلك المعاني الشريفة الفاضلة، ولا حظ لها عندهم. أما حق الوالدين في الإسلام فقد مر بك شيء منه، وليس ذلك فحسب، بل إن الإسلام نهى عن العقوق، وحذر منه أشد التحذير، فهو كبيرة من الكبائر، وهو قرين للشرك.

1 / 5

ويكفي في ذلك قوله - تعالى -: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ [الإسراء: ٢٣] فما بالك بما فوق كلمة " أف ". والأحاديث في هذا السياق كثيرة جدا، ومنها ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ عن النبي ﷺ قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس» (١) . ومع تلك المكانة للوالدين، وبرغم ما جاء من الأمر الأكيد في برهما، والزجر الشديد في النهي عن عقوقهما إلا أن فئاما من الناس قد نسيت حظا مما ذكرت به، فلم ترع حق الوالدين، ولم تبال بالعقوق. والحديث في الصفحات التالية سيدور حول الأمور الآتية: - تعريف العقوق. - من مظاهر عقوق الوالدين.

(١) رواه البخاري (٦٦٧٥) .

1 / 6

- نماذج من قصص العقوق. - أسباب العقوق. - سبل العلاج. - تعريف البر بالوالدين. - الآداب التي تراعى مع الوالدين. - الأمور المعينة على البر. - بين الزوجة والوالدين. - نماذج من قصص البر. وأخيرا أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى - أن يجعلنا من الأتقياء الأبرار، والأصفياء الأخيار، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

1 / 7

[تعريف العقوق] تعريف العقوق العقوق ضد البر، قال ابن منظور ﵀: " وعق والده يعقه عقا وعقوقا ومعقة: شق عصا طاعته، وعق والديه: قطعهما ولم يصل رحمه منهما " (١) . وقال: " وفي الحديث «أنه ﷺ نهى عن عقوق الأمهات» وهو ضد البر، وأصله من العق: الشق والقطع " (٢) .

(١) لسان العرب ١٠ / ٢٥٦. (٢) لسان العرب ١٠ / ٢٥٧.

1 / 8

[من مظاهر عقوق الوالدين] من مظاهر عقوق الوالدين عقوق الوالدين يأخذ مظاهر عديدة، وصورا شتى، منها ما يلي (١) . ١ - إبكاء الوالدين وتحزينهما سواء بالقول أو الفعل، أو بالتسبب في ذلك. ٢ - نهرهما وزجرهما وذلك برفع الصوت؛ والإغلاظ عليهما بالقول. قال - تعالى -: ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: ٢٣]

(١) انظر: أخلاقنا الاجتماعية، د. مصطفى السباعي، ص ١٦٦، وبر الوالدين، لعبد الرءوف الحناوي ص ١٤٣، والسلوك الاجتماعي لحسن أيوب، ص ٢٥٧ - ٢٥٩، وقرة العينين في فضائل بر الوالدين، لأم عبد الكريم، وبالوالدين إحسانا لسعاد بنت محمد فرج ص ٤٤ - ٤٨، وبر الوالدين في القرآن الكريم والسنة الصحيحة لنظام سكجها، ص ٣٥ - ٤١ و٦٣ - ٦٥، وفيض الرحيم الرحمن د. عبد الله الطيار ص ٩٦، وبر الوالدين وحقوق الآباء والأبناء والأرحام لأحمد عيسى عاشور ص ٣٣ - ٤٥، والإعلام ببر الوالدين وصلة الأرحام، لإبراهيم الحازمي ص ٣٥ - ٤١، والتكافل الاجتماعي في الشريعة الإسلامية د. محمد بن أحمد الصالح، ص ٩٨ - ١٠٥.

1 / 9

[الإسراء: ٢٣] . ٣ - التأفف والتضجر من أوامرهما وهذا مما أدبنا الله ﷿ بتركه؛ فكم من الناس من إذا أمر عليه والداه - صدر كلامه بكلمة " أف " ولو كان سيطيعهما، قال - تعالى -: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] ٤ - العبوس وتقطيب الجبين أمامهما فبعض الناس تجده في المجالس بشوشا مبتسما، حسن الخلق، ينتقي من الكلام أطايبه، ومن الحديث أعذبه؛ فإذا ما دخل المنزل وجلس بحضرة الوالدين انقلب ليثا هصورا لا يلوي على شيء، فتبدلت حاله وذهبت وداعته وتولت سماحته، وحلت غلظته وفظاظته وبذاءته، يصدق على هذا قول القائل: من الناس من يصل الأبعدين ... ويشقى به الأقرب الأقربُ ٥ - النظر إلى الوالدين شزرا وذلك برمقهما بحنق والنظر إليهما بازدراء واحتقار. قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير قال: " ما

1 / 10

بر والده من شد الطرف إليه " (١) . ٦ - الأمر عليهما كمن يأمر والدته بكنس المنزل، أو غسل الثياب، أو إعداد الطعام؛ فهذا العمل لا يليق خصوصا إذا كانت الأم عاجزة أو كبيرة أو مريضة. أما إذا قامت الأم بذلك بطوعها وبرغبة منها وهي نشطة غير عاجزة - فلا بأس في ذلك، مع مراعاة شكرها والدعاء لها. ٧ - انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة وهذا العمل فيه محذوران، أحدهما: عيب الطعام، وهذا لا يجوز؛ «فرسول الله ﷺ ما عاب طعاما قط، إن أعجبه أكل، وإلا تركه.» والثاني: أن فيه قلة أدب مع الأم وتكديرا عليها. ٨ - ترك مساعدتهما في عمل المنزل: سواء في الترتيب والتنظيم، أو في إعداد الطعام، أو غير ذلك. بل إن بعض الأبناء - هداهم الله - يعد ذلك نقصا في

(١) سير أعلام النبلاء للذهبي ٤.

1 / 11

حقه وهضما لرجولته. وبعض البنات - هداهن الله - ترى أمها تعاني وتكابد العمل داخل المنزل فلا تعينها. بل إن بعضهن تقضي الأوقات الطويلة في محادثة زميلاتها عبر الهاتف، تاركة أمها تعاني الأمرين. ٩ - الإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا: وذلك بترك الإصغاء إليهما، أو المبادرة إلى مقاطعتهما أو تكذيبهما، أو مجادلتهما، والاشتداد في الخصومة والملاحاة معهما. فكم في هذا العمل من تحقير لشأن الوالدين، وكم فيه من إشعار لهما بقلة قدرهما. ١٠ - قلة الاعتداد برأيهما: فبعض الناس لا يستشير والديه ولا يستأذنهما في أي أمر من أموره، سواء في زواجه أو طلاقه، أو خروجه من المنزل والسكنى خارجه، أو ذهابه مع زملائه لمكان معين، أو نحو ذلك. ١١ - ترك الاستئذان حال الدخول عليهما: هذا مما ينافي الأدب معهما، فربما كانا أو أحدهما في حالة لا يرضى أن يراه أحد عليها.

1 / 12

١٢ - إثارة المشكلات أمامهما: سواء مع الإخوان أو الزوجة، أو الأولاد أو غيرهم. فبعض الناس لا يطيب له معاتبة أحد من أهل البيت على خطأ ما إلا أمام والديه، ولا شك أن هذا الصنيع مما يقلقهما ويقض مضجعهما. ١٣ - ذم الوالدين عند الناس والقدح فيهما، وذكر معايبهما: فبعض الناس إذا أخفق في عمل ما - كأن يخفق في دراسته مثلا - ألقى باللائمة والتبعة على والديه، ويبدأ يسوغ إخفاقه ويلتمس المعاذير لنفسه بأن والديه أهملاه ولم يربياه كما ينبغي، فأفسدا عليه حياته وحطما مستقبله، إلى غير ذلك من ألوان القدح والعيب. ١٤ - شتمهما ولعنهما: إما مباشرة أو بالتسبب في ذلك؛ كأن يشتم الابن أبا أحد من الناس أو أمه، فيرد عليه بشتم أبيه وأمه. فعن عبد الله بن عمرو ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه. قيل: وهل يشتم الرجل والديه؟ ! قال: نعم! يسب أبا الرجل فيسب

1 / 13

أباه، ويسب أمه فيسب أمه» (١) . ١٥ - إدخال المنكرات للمنزل: كإدخال آلات اللهو والفساد للبيت، مما يتسبب في فساد الشخص نفسه، وربما تعدى ذلك إلى فساد إخوته وأهل بيته عموما، فيشقى الوالدان بفساد الأولاد، وانحراف الأسرة. ١٦ - مزاولة المنكرات أمام الوالدين: كشرب الدخان أمامهما، أو استماع آلات اللهو بحضرتهما، أو النوم عن الصلاة المكتوبة، ورفض الاستيقاظ لها إذا أوقظاه، وكذلك إدخال رفقة السوء للمنزل؛ فهذا كله دليل على التمادي في قلة الحياء مع الوالدين. ١٧ - تشويه سمعة الوالدين: وذلك باقتراف الأعمال السيئة والأفعال الدنيئة التي تخل بالشرف وتخرم المروءة، وربما قادت إلى السجن والفضيحة، فلا شك أن هذا من عقوق الوالدين؛ لأنه يجلب لهما الهم والغم والخزي والعار.

(١) رواه البخاري (٥٩٧٣)، ومسلم (٩٠) .

1 / 14

١٨ - إيقاعهما في الحرج: كحال من يستدين أموالا ثم لا يسددها، أو يقوم بالتفحيط، أو يسيء الأدب في المدرسة؛ فتضطر الجهات المسئولة إلى إحضار الوالد في حالة فقدان الولد أو إساءته للأدب. وربما أوقف الوالد ريثما يسدد الولد دينه، أو يحضر ويسلم نفسه. ١٩ - المكث طويلا خارج المنزل: وهذا مما يقلق الوالدين ويزعجهما على الولد، ثم إنهما قد يحتاجان للخدمة، فإذا كان الولد خارج المنزل لم يجدا من يقوم على خدمتهما. ٢٠ - الإثقال عليهما بكثرة الطلبات: فمن الناس من يثقل على والديه بكثرة طلباته، مع أن الوالدين قد يكونان قليلي ذات اليد، ومع ذلك ترى الولد يلح عليهما بشراء سيارة له، وبأن يزوجاه، ويوفرا له مسكنا جديدا، أو بأن يطلب منهما مالا كثيرا؛ كي يساير زملاءه وأترابه. ٢١ - إيثار الزوجة على الوالدين: فبعض الناس يقدم طاعة زوجته على طاعة والديه، ويؤثرها عليهما، فلو طلبت منه أن يطرد والديه لطردهما ولو كانا بلا مأوى.

1 / 15

وترى بعض الأبناء يبالغ في إظهار المودة للزوجة أمام والديه، وتراه في الوقت نفسه يغلظ على والديه، ولا يرعى حقهما. وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في الصفحات التالية. ٢٢ - التخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر: فبعض الأولاد إذا كبر وصار له عمل يتقاضى مقابله مالا تخلى عن والديه، واشتغل بخاصة نفسه. ٢٣ - التبرؤ منهما، والحياء من ذكرهما ونسبته إليهما: وهذا من أقبح مظاهر العقوق، فبعض الأولاد ما إن يرتفع مستواه الاجتماعي، أو يترقى في الوظائف الكبيرة إلا ويتنكر لوالديه، ويتبرأ منهما، ويخجل من وجودهما في بيته بأزيائهما القديمة. وربما لو سئل عنهما لقال: هؤلاء خدم عندنا! . وبعضهم يرفض أن يذكر اسم والده في الولائم والمناسبات العامة؛ خجلا من ذلك! وهذا العمل - بلا ريب - دليل على ضعة النفس، وصغر العقل، وحقارة الشأن، وضيق العطن.

1 / 16

وإلا فالنفس الكريمة الأبية تعتز بمنبتها وأرومتها وأصلها، والكرام لا ينسون الجميل. إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن ٢٤ - التعدي عليهما بالضرب: وهذا العمل لا يصدر إلا من غلاظ الأكباد وقساة القلوب الذين خلت قلوبهم من الرحمة والحياء، وخوت نفوسهم من أدنى مراتب المروءة والنخوة والشهامة. ٢٥ - إيداعهم دور العجزة والملاحظة: وهذا الفعل غاية في البشاعة، ونهاية في القبح والشناعة، يقشعر لهوله البدن، ويقف لخطبه شعر الرأس، والذي يفعله لا خير فيه البتة. ٢٦ - هجرهما، وترك برهما ونصحهما إذا كانا متلبسين ببعض المعاصي: وهذا خلل وخطل؛ فبر الوالدين واجب ولو كانا كافرين، فكيف إذا كانا مسلمين، وعندهما بعض التقصير؟ ! ٢٧ - البخل والتقتير عليهما: فمن الناس من يبخل على

1 / 17

والديه، ويقتر عليهما في النفقة. وربما اشتدت حاجتهما إلى المال، ومع ذلك لا يعبأ ولا يبالي بهما. ٢٨ - المنة وتعداد الأيادي على الوالدين: فمن الناس من قد يبر والديه، ولكنه يفسد ذلك بالمن والأذى، وتعداد الأيادي، وذكر ذلك البر بمناسبة وبدون مناسبة. ٢٩ - السرقة من الوالدين: وهذا الأمر جمع بين محذروين، السرقة والعقوق؛ فتجد من الناس من يحتاج للمال، فيقوده ذلك إلى السرقة من والديه إما لكبرهما، أو لغفلتهما. ومن صور السرقة أن يخدع أحد والديه، فيطلب منه أن يوقع على إعطائه كذا وكذا من المال أو الأرض أو نحو ذلك. وقد يستدين منهما، وهو مبيت النية على ألا يسدد. ٣٠ - الأنين وإظهار التوجع أمامهما: وهذا الأمر من أدس صور العقوق؛ ذلك أن الوالدين - وخصوصا الأم - يقلقان لمصاب الولد، ويتألمان لألمه؛ بل ربما يتألمان أكثر منه. ٣١ - التغرب عن الوالدين دون إذنهما، ودون الحاجة إلى

1 / 18

ذلك: فبعض الأبناء لا يدرك أثر بعده عن والديه؛ فتراه يسعى للغربة والبعد عن الوالدين دون أن يستأذنهما ودون أن يحتاج إلى الغربة؛ فربما ترك البلد الذي يقطن فيه والداه دون سبب، وربما تغرب للدراسة في بلد آخر مع أن تلك الدراسة ممكنة في البلد الذي يسكن فيه والداه إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تسوغ غربته. وما علم أن اغترابه عن والديه يسبب حسرتهما، وقلقهما عليه، وما علم أنه ربما مات والداه أو أحدهما وهو بعيد عنهما باختياره؛ فيخسر بذلك برهما، والقيام عليهما. أما إذا احتاج الابن إلى الغربة، واستأذن والديه فيها - فلا حرج عليه. ٣٢ - تمني زوالهما: فبعض الأولاد يتمنى زوال والديه؛ ليرثهما إن كانا غنيين، أو يتخلص منهما إن كانا مريضين أو فقيرين، أو لينجو من مراقبتهما ووقوفهما في وجهه كي يتمادى في غيه وجهله. ٣٣ - قتلهما والتخلص منهما: فقد يحصل أن يشقى الولد، فيقدم على قتل أحد والديه؛ إما لسورة جهل أو ثورة

1 / 19

غضب، أو أن يكون في حال سكر، أو طمعا في الميراث، أو غير ذلك. فيا لشؤم هذا، ويا لسواد وجهه، ويا لسوء مصيره وعاقبته، إن لم يتداركه الله برحمته. هذه بعض المظاهر والصور لعقوق الوالدين، ذلك العمل القبيح، والمسلك الشائن، الذي لا يليق بأولي الألباب، ولا يصدر من أهل التقى والصلاح والرشاد. فما أبعد الخير عن عاق والديه، وما أقرب العقوبة منه، وما أسرع الشر إليه. وهذا أمر مشاهد محسوس، يعرفه كثير من الناس، ويرون بأم أعينهم، ويسمعون قصصا متواترة لأناس خذلوا وعوقبوا؛ بسبب عقوقهم لوالديهم.

1 / 20

[نماذج من قصص العقوق] نماذج من قصص العقوق ١ - قال الأصمعي: " أخبرني بعض العرب أن رجلا كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشاب عاقا بأبيه، وكان يقال للشاب " منازل " فقال الشيخ: جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنجز الدين طالبه تربت (١) حتى صار جعدا (٢) شمردلا (٣) ... إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه تظلمني مالي كذا ولوى يدي ... لوى يده الله الذي لا يغالبه وإني لداع دعوة لو دعوتها ... على جبل الريان لانهد جانبه فبلغ ذلك أميرا كان عليهم، فأرسل إلى الفتى ليأخذه،

(١) تربت: تربى. (٢) الجعد: الطويل. (٣) الشمردل: الفتى القوي.

1 / 21