دراسات فی المذاہب الادبیہ والاجتماعیہ
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
اصناف
وضعه الباحث المؤرخ الناقد الدكتور محمد صبري، وجمع فيه طائفة صالحة من منثور الشعر الكاتب خليل مطران، وصرف عنايته فيه إلى استقصاء المقالات والنبذ التي نشرتها الصحف والمجلات ولم تظهر قبل الآن في مجموعة واحدة، وهذا هو جانب الجمع والرواية.
أما جانب النقد والتأليف فهو شامل للمقدمة الوافية التي كتبها الدكتور محمد صبري وصدر بها الكتاب، ومعها نخبة من التعليقات يتخلل بها مقالات مطران وشذراته بما يقتضيه المقام من الشرح تارة والمناقشة تارة أخرى، ويجيد كعادته في هذه الشروح والمناقشات، ويفيد.
وقد جاءت مقدمة الكتاب في مكانها وفي موعدها؛ لأنها تعين على التعريف بفضل مطران الناثر، وتصحح الدعاوى الفاشية بين الأدباء الناشئين الذين تغرهم تلك الطنطنة الجوفاء بأسماء المذاهب الأدبية والمدارس الفنية كما راجت زمنا في صحف الأدب الرخيص بين الغربيين، وقد تفيد الناقد الأصيل المطبوع ولكنها تضلل الناقد المقلد عن الحقيقة المقصودة؛ لأنها تشغله بالأسماء عن المسميات وبالقشور عن اللباب، وقد يصل أصحابها أنفسهم في وضع أسماء المذاهب وفي تطبيقها على الموضوعات.
ويكفي أن نختار مثلا واحدا لهذه التقسيمات والتطبيقات نلمس منه ذلك الخطأ البعيد في النظر إلى حقيقة الكلام ذهابا مع العناوين التي يحلقونه بها، وهذا المثل الواحد هو تقسيمهم الشعر إلى شعر انبعاث وحركة «ديناميكي» وشعر استقرار ووقوف أو سكون «ستاتيكي»، وهو كما يقولون غالب على الأدب العربي منذ عصر الجاهلية إلى العصور الحديثة.
وقد أشار الدكتور صبري إلى هذه التفرقة في مقدمته مستشهدا بكلام الأستاذ إسماعيل أدهم نقلا عن الدكتور جرمانوس، فقال: إن الأستاذ إسماعيل أدهم استشهد برأي الدكتور يوليوس جرمانوس ... ومثال ذلك واضح في وصف طرفة للجمل؛ إذ يصفه بدقة تشريحية ولكن تعوزه الطاقة على التجرد من الذاتية، وأنت لو طالعت في الإلياذة كيف يصور هوميروس درع أخيلوس حيث تصهر الدروع وتطرق وتنحت وتصقل أمام بصر السامعين الذهني لأمكنك أن تعرف الفارق الكبير بين طبيعة الشعر العربي وطبيعة الشعر الغربي، فإن الأخيرة زحمة في قوتها ونشوئها الدرامي، ومن هذا أمكننا أن نقف على السبب الذي قعد بالشعر العربي عن التصوير؛ لأن التصوير يستلزم التجرد عن الذاتية والعرض للظواهر الطبيعية في طبيعتها الموضوعية، ولا ينبغي أن ينسينا هذا النقص استكمال الشعر العربي من ناحية أخرى - ناحية الذاتية - وهذا ما يظهر عند شاعر قوي الروح العربية كالمتنبي ...
وقد ناقش الدكتور صبري هذه الآراء واستطرد منها إلى مناقشة آراء المفرقين بين الأدب العربي والأدب الغربي بهذه المقاييس التي تحمل أسماء «الموضوعية والذاتية والدينامية والاستاتيكية» وما شابهها من العناوين والأسماء، وحبذا هي من مقاييس لولا أنها تضلل الأذهان عما تقيسه وتنسيها حقيقة المقصود كلها بالوصف حيث كان في كل لغة وفي كل أمة ... فلو ذكر الناقد أن الوصف الصحيح هو التعبير الحي عن إحساس الشاعر بما يدركه لما انقلب عليه الأمر فحكم بنقص التمثيل الدينامي في الشعر العربي وغلبة التمثيل الاستاتيكي عليه، ولو أنه عكس القول لكان أقرب إلى الصواب.
ولنقنع هنا بالمتنبي الذي جاء ذكره في تلك العبارة، فإنه أكبر شعرائنا النابهين الذين لم يشتهروا بالوصف؛ لأنهم اشتهروا بالحكمة، ولكنه - على هذا - يصف مناظر الحركة والانبعاث فيخيل إلينا أنه يعرض أمامنا شريطا من أشرطة الصور المتحركة التي تتوالى فيها الصور، ونوشك أن نراها بالعين ولا نسمعها بالأذن لفرط الصدق في تمثيل الشعور الحي بما يقع منها في الأبصار والأسماع.
إليك مثلا وصفه للبحيرة حيث يقول:
لولاك لم أترك البحيرة وال
غور دفيء وماؤها شبم
نامعلوم صفحہ