دراسات فی المذاہب الادبیہ والاجتماعیہ
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
اصناف
فإذا أردنا أن نبين الفكاهة العربية بلون من ألوانها الغالبة عليها، فقد يكون أصدق بيان عنها بكلمات معدودة: «إنها فكاهة النكتة السريعة، والعبارة الوجيزة، والولع بإبراز صفة المروءة والفطنة وازدراء صفة اللؤم والذلة ...» ولا يظهر هذا المعنى العميق في طبيعة الفكاهة العربية من كلام ورد على لسان شاعر كما يظهر من كلام النجاشي في هجاء بني العجلان؛ حيث يقول:
إن الله عادى أهل لؤم وذلة
فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل
ثم يقول:
قبيلته لا يغدرون بذمة
ولا يظلمون الناس حبة خردل
فإن الشاعر هنا نظر إلى الضعف والهوان، فجعلهما سببا للتحقير والسخرية ولم يحمد معهما اجتناب الغدر والظلم؛ لدلالتهما هنا على الضعف والضعة لا على العفة وصدق النية.
وعلى هذا النحو، نستطيع أن نقول إن الهزل والمهزلة باللغة العربية يتقاربان، وإن العربي لا يضحك من شيء إلا بحثت فيه فوجدت له معنى من معاني السخف وهو الضعف، ومعنى من معاني الفكاهة وهو العي وضعف العقل واللسان.
ومن أصالة الفكاهة في طبع العربي أنها لازمته مع خشونة البادية، كما لازمته مع حياة الحضارة من عصورها القديمة إلى عصورها الحديثة، فليس أكثر في كتب الأدب من ملح الأعراب وطرائف أهل البادية التي يقول الجاحظ (أحد أمراء الفكاهة العربية): «إنها لا تجارى في سهولتها وبساطتها ونفاذها، ويروى منه الكثير المعجب في طوايا كتبه كما رواها غيره من كتاب النوادر والأخبار.»
أما فكاهة الحضارة عند العرب فليس أدل على شيوعها وإقبال جمهرة الناس عليها من صناعة «الندماء» التي كانت تعرض في الأسواق والأندية العامة، ولا تختص بها قصور الأمراء وأصحاب اليسار.
نامعلوم صفحہ