دراسات فی المذاہب الادبیہ والاجتماعیہ
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
اصناف
والشاعر الفذ بين الناس رحمان
الفصل الحادي عشر
نعرب أو نترجم
مسألة الكلمات الأجنبية - ولا سيما المصطلحات الخاصة - مسألة قديمة حديثة، لم يخل منها عصر من عصور اللغة العربية منذ نشأتها الأولى قبل تفرع اللغات السامية.
وحلها كذلك حل قديم حديث، لم يخل منه عصر قديم ولا حديث.
حلها التعريب والترجمة معا، لا اختلاف بين عصر وعصر فيهما غير الاختلاف في المقدار أو في النسبة بين الكلمات المعربة والكلمات المترجمة، فقد تزيد كلمات التعريب أحيانا، وتزيد كلمات الترجمة أحيانا أخرى وتجري الزيادة في هذه أو تلك على حسب العوامل النفسية قبل غيرها، وأهمها عوامل الثقة بالنفس والاطمئنان إلى سلامة اللغة وقلة الخوف عليها من طغيان اللغات الأخرى.
ففي عصر الجاهلية كان العرب يكثرون من التعريب ولا يتوقفون عن تعريب كلمة أعجمية صادفتهم في بلادهم أو خارج بلادهم من شبه الجزيرة، فلو أحصينا الكلمات المعربة في اللغو لزاد ما عربه الجاهلون عن نصف هذه الكلمات في جميع العصور؛ إذ نحسب منه أسماء كثير من الجواهر والمواد ومن الأدوات والنباتات، ومن الأباريز والعطور، ومن الأكسية والمأكولات والمشروبات، ولا تقل عدتها عن ألوف.
وقلما يخطر لنا اليوم أن نترجم اسم مدينة مشهورة ولو كان لهذا الاسم معنى، وقلما يخطر لنا كذلك أن نترجم اسم إنسان مشهور وإن كان من الأسماء التي لها معان في اللغة كاسم جورج وميخائيل ومرجريت وفكتوريا، وإنما نعربها بألفاظها مع صقلها بالصيغة العربية.
وعلى هذا النحو كان ينظر العربي إلى أسماء المواد والأشياء التي وجدت في غير بلاده، فإنه يعلم أن العربية هي لغة العرب وأن اللغة تركيب وسياق وليست مفردات ومقاطع وحروف، وإنما تسمى الأشياء بأسمائها في بلادها وتعرف بتلك الأسماء كما تعرف أسماء الأعاجم التي تلقوها من آبائهم وأمهاتهم بغير حاجة إلى تعريب: كسرى، وهرقل، وسابور، وفرعون، وأشباه ذلك من الأسماء ...
ولعلهم لم يسألوا أنفسهم قط عن معنى كلمة دينار أو معنى كلمة قنطار، ولو سألوا لعرفوا أن معنى الدينار «عشري» نسبة إلى عشرة، وأن معنى القنطار «مئوي» نسبة إلى مائة، ولكنهم على هذا كانوا خليقين أن يعربوا الكلمتين ولا يترجموهما؛ لأن الترجمة لا تدل عليهما كما يدل التعريب.
نامعلوم صفحہ