دراسات فی المذاہب الادبیہ والاجتماعیہ
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
اصناف
ومعنى ذلك أن هذه الشعوب الشرقية أصبحت ذات كيان عالمي معترف به لا يتأتى لمن يتجاهله أو يتخطاه أن يثق من نجاح خطة يجري عليها مما يمس شئون الشرق عامة أو شئون كل أمة فيه على حدة.
كانت الخطة الشائعة قبل ثلاثين سنة أن يكون التفاهم على مسألة من مسائل الشرق موضوع بحث بين الدول الكبرى لا يشترك فيه الشرقيون، وكانوا يقسمون الأقاليم في القارتين إلى مناطق نفوذ يتبادلون المنافع فيها على غير علم أو موافقة من أهلها.
فاليوم لا تستطيع دولتان كبريان أن تتفقا على شئون أمة شرقية - مهما صغرت - بغير مشاركتها وحضور ساستها المختارين من قبلها للنيابة عنها.
وأصبحنا نرى كبار الوزراء في أمريكا وروسيا وإنجلترا وفرنسا يزورون عواصم الشرق، ويباحثون ساستها كما يزورون عواصم الغرب ويباحثون نظراءهم فيها، وربما كانت الزيارات للعواصم الشرقية أكثر وأهم من الزيارات للعواصم الغربية، بل وربما جاز لنا أن نقول إن التبعيات في صميم القارة الأوروبية أكثر اليوم من التبعيات في القارتين الآسيوية والإفريقية، وهما إلى سنوات قليلة لم يكن فيهما شعب واحد لا يعد من الأتباع لدولة من دول الاستعمار.
ففي القارة الأوروبية اليوم أمم لا تبرم شيئا ولا تنقضه في خاصة أمورها وعلاقاتها بغير إذن الدولة التي تشرف عليها أو تساعدها.
وليس في آسيا على الخصوص ولا في البلاد المستقلة من إفريقية، أمة مضطرة إلى مثل هذه «التبعية» تارة لأمريكا وتارة لإنجلترا وتارة لروسيا ، وإذا وجدت الأمة الآسيوية أو الإفريقية المستقلة التي ترتبط بإحدى الدول الكبرى في عمل من أعمالها فهي مسألة اختيار على حسب الموازنة بين الظروف، وليست مسألة اضطرار أو تقليد «رسمي» بحكم مركزها السياسي، كما كانت الحال قبل ثلاثين سنة!
وكان المظنون - مثلا - أن الصين تجري على سياسة روسية لاشتراك الدولتين في دعوة اجتماعية واحدة، فإذا بالصين تعمل ما ترضاه روسيا وما لا ترضاه في علاقتها بأمريكا وبريطانيا العظمى، وفي نظام الحكام الداخلي ومبادئ السياسة المحلية، وتسبق الكرملين إلى بعض الخطط ولا يكاد الكرملين أن يسبقها في خطة من خططه العالمية.
وحدث في شمال إفريقية ما لم يكن يحدث قط بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
حدث أن فرنسا تعترف باستقلال الشعوب وتتفاهم مع قادتها وترسل المندوبين من كبار وزرائها إلى عواصم تونس والجزائر ومراكش التي أعيد سلطانها إلى عرشه بإرادة شعبه.
وكل أولئك تغيير واضح في موقف الكتلتين من شعوب القارتين: تغيير معناه أن شعوب هاتين القارتين قد أصبح لها كيان عالمي وإرادة مستقلة يتوقف عليها كل أمر من أمورها العامة، ولا يكفي فيه أن يستأثر بالتفاهم عليه أصحاب «مناطق النفوذ» من دول المستعمرين. (2) بين الكتلتين
نامعلوم صفحہ