دراسات فی المذاہب الادبیہ والاجتماعیہ
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
اصناف
وعاد العرب في زمرة الشعوبيين على عهد الدولة العثمانية، فإن هذه الدولة حكمت أمما كثيرة من غير أصلها ولسانها، واستطالت على تلك الأمم بحق السيادة والسطوة العسكرية، وقابلها العرب بفخر الأمانة الأصلية وكرم الأسلاف وفصاحة اللسان؛ وقابلها رعاياها من الغربيين بفخر الأوروبيين في مواجهة الآسيويين، وربما كانت أوروبة كلها مجموعة شعوبية في مواجهة الدولة العثمانية؛ إذ كانت تجمعها كلها كلمة «الأجانب»، وكانت الامتيازات الأجنبية مظهر هذه الشعوبية من هذا النمط الجديد.
وقديما خلق الرومان في إبان دولتهم شعوبية، بل شعوبيتين؛ لأنهم كانوا يقسمون العالم ممن عداهم قسمين: قسم يسمونه بالبرابرة، وهم قبائل للبلاد التي لم يعرف لها تاريخ ولم تؤثر لها حضارة، وقسم يسمونه بالجنتيليين
Gentili
من كلمة
Gentili
بمعنى المجانس أو المنتمي إلى جنس واحد، كأنهم يعتبرون كل من عداهم جنسا متشابها على اختلاف الأقوام واللغات.
وعن الرومان أخذ اليهود والمسيحيون هذه التسمية، فأطلقها اليهود على جملة الأقوام من غير بني إسرائيل، وأطلقها المسيحيون على جملة الأقوام غير الإسرائيليين والمسيحيين، وكانت الكلمة التي أطلقها اليهود على أولئك الأقوام هي كلمة «جوييم» أي: الأقوام باللغة العبرية، ولكنهم استعملوا الكلمة الرومانية فيما كانوا يكتبونه باللغتين اللاتينية واليونانية.
ونحسب أن هذا التقسيم قريب إلى بداهة الجماعات من كل جنس وفي كل موضع، وبخاصة فيما قبل القرن العشرين، أو فيما قبل انتشار الدعوة العالمية، فمن عادة كل جماعة من الناس أن تنظر إلى نفسها كأنها وحدة قائمة بذاتها، وتنظر إلى غيرها من الجماعات كأنها وحدة أخرى؛ لأن الحقوق العامة كانت على الأغلب مقصورة على كل جماعة بين أبنائها، ولم تكن مشتركة متساوية بين الجماعات كافة.
هكذا رأينا الإنجليز يسمون أنفسهم أيام «عزتهم الفاخرة بأهل الجزيرة، ويسمون سائر الأوروبيين بأهل القارة».
وهكذا رأينا الأمريكيين يعممون الوحدة الأمريكية على العالم الحديث، ويحمونها في وجه العالم القديم كله بمذهب مونرو المشهور.
نامعلوم صفحہ