دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
اصناف
وقد احتلت الصهيونية الأرض بعقيدة أرض الميعاد والاختيار وأرضنة الله
Enlandisement of God . وتظهر الأرض في شعرنا المعاصر.
2
وتقام «فرقة الأرض»، ويهزنا «يوم الأرض». وفي التراث الغربي يتحول «فشته» من فيلسوف مثالي كانطي، فيضع نظرية في الجدل بين الأنا واللاأنا من أجل خلق الأنا المطلق؛ تحريرا للأرض من الاحتلال وغزو نابليون لألمانيا. ويصوغ كل فلسفته في نظرية السعادة من أجل تحرير الأرض، ومقاومة المحتل؛ فالخير الأقصى تحقيق للذات، وفي رسالة الإنسان تحقيق للمثل الأعلى، وفي الاقتصاد الموجه من الدولة توجيه لموارد الدولة للحرب ضد سياسات الانفتاح والاقتصاد الحر. إن دراسة قضية «الله والأرض» وجعلها محور التراث القديم، وأن الله محل للحوادث كما تقول الكرامية؛ تجعل التراث مرآة للواقع، وإن تدريس فشته لطلابنا يجعل قلوبهم مع الأستاذ، وكلاهما مع حاضر الأمة وواقعها.
3 (2)
إعادة توزيع الثروة في مواجهة التفاوت الطبقي. وهي قضية رئيسية نتناولها في محافلنا العامة ونراها واضحة للعيان؛ فقد اجتمعت في الأمة أعلى درجة من درجات الغنى وأدنى درجة من درجات الفقر. منا من يترهل بطنة، ومنا من يموت جوعا، منا من يعيش في القصور كالأحياء، ومنا من يعيش في مقابر الأموات، وهذه قضية يتناولها الشعر والمفكرون، وبسببها قامت الثورات العربية المعاصرة لإعادة توزيع الثروات، والإصلاح الزراعي وبرامج التأميم والتصنيع وحقوق العمال. ولأجلها قامت الأحزاب الاشتراكية والماركسية، ودخل الآلاف في السجون والمعتقلات واستشهد العشرات. وهي قضية مثارة في أصل الوحي في نظرية الاستخلاف، ونقد تكديس الثروة في يد حفنة من الأغنياء، وضرورة المشاركة في الأموال، وسار على أثرها الخلفاء. ومن أجلها نفي أبو ذر. وفي التراث الغربي ندرس ديكارت وكانط ونترك روسو ومونتسكيو وسان سيمون وبرودون وأوين وماركس في أقسام الاجتماع أو اللغة أو الأدب، وكأن موضوعات العدالة الاجتماعية والمساواة ليست من الميتافيزيقا، أو الفلسفة العامة في شيء. وقد قام الرهبان الشباب في أمريكا اللاتينية بالاشتراك في حرب العصابات دفاعا عن الفلاحين وضد الإقطاع.
4 (3)
تحقيق الحرية والديموقراطية في مواجهة القهر والطغيان. وهذه قضية نعاني منها جميعا بما في ذلك الأستاذ والطالب، والمفكر والمواطن، والباحث والعالم، والإعلامي والسياسي، فقد عرفت مجتمعاتنا بأنها مجتمعات القهر والتسلط والطغيان. سجوننا ملأى، وأفواهنا مكممة، وأجهزة إعلامنا في يد الحكومات، وصحفنا ومجلاتنا مراقبة، وأجهزة الأمن تتحكم في كل شيء، تسمع وتراقب، حتى أصبح الخوف والترقب البناء النفسي للجميع، ويفشل درس الفلسفة بسبب الخوف: خوف الأستاذ الذي يتحول إلى جبن، وخوف الطالب الذي يتحول إلى خشية. الكل يبغي التعايش وعدم فقد الوظيفة لتربية الأطفال ورعاية الأسرة، وهكذا نشأت الازدواجية في حياتنا القومية، وظهر الفرق بين الحديث الخاص وبين الحديث العام، بين لغة حلقات الأصدقاء وبين لغة الاجتماعات الرسمية، بين همسات حجرات النوم وبين صراخ الأحزاب وصخب أجهزة الإعلام حتى أصبحت السلطة كالجنس والدين محرمات لا يجوز الاقتراب منها، وهي موجودة في أصل الوحي وفي أول إعلان له في الشهادتين. فالشهادة إعلان وبيان، إعلان رؤية، وبيان موقف يبدأ بالرفض والنفي، بالتمرد والثورة على كل آلهة العصر المزيفة في «لا إله»، ثم يأتي بعد ذلك فعل الإيجاب ووضع مبدأ واحد يتساوى أمامه الجميع في «إلا الله». وقد استن الخلفاء بعقيدة الحرية كما سار عليها الأشهاد.
5
والفلسفة ليس لها موضوع إلا الحرية، ولا غاية إلا التحرر. وقد شغل الموضوع مفكرينا القدماء، متكلمين وفقهاء، فدافع المعتزلة عن خلق الأفعال، وأثبتوا حرية الاختيار، وأكد الفقهاء ضرورة كلمة الحق في وجه السلطان الجائر. وفي الفلسفة الغربية لا يوجد نسق فلسفي إلا والحرية أحد مظاهره. إن التاريخ كله هو قصة الحرية (كروتشه). إن ثوراتنا الحديثة قد قامت دفاعا عن الحرية كما قامت حركات استقلالنا الوطني تحقيقا للحرية وما زال للكلمة رنين في قلوب الناس جميعا؛ فأشعارنا تصور مدى القهر، وقصصنا مدى الطغيان، ورواياتنا صور الطغيان. (4)
نامعلوم صفحہ