دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
اصناف
عاد ابن خلدون إلى تونس بعد أن تغرب عنها مدة ستة وعشرين عاما.
وكانت شهرته وصلت إلى تونس قبله بكثير بطبيعة الحال؛ ولذلك وجد هناك ترحيبا حارا من السلطان ومن الناس على حد سواء.
ويصف لنا في ترجمة حياته ترحيب السلطان له بهذه العبارات: «وافيته بظاهر سوسة، فحيا وفادتي، وبر مقدمي، وبالغ في تأنيسي، وشاورني في مهمات أموره، ثم ردني إلى تونس، وأوعز إلى تابعه بها مولاه فارح بتهيئة المنزل، والكفاية في الجراية والعلوفة وجزيل الإحسان، فرجعت إلى تونس في شعبان من السنة، وآويت إلى ظل ظليل من عناية السلطان وحرمته، وبعثت عن الأهل والولد، وجمعت شملهم في مرعى تلك النعمة، وألقيت عصا التسيار.»
يفهم من هذه العبارات أن السلطان وفر له وسائل العيشة الهنيئة، فأخذ يشتغل ابن خلدون بتدريس العلوم من ناحية، وبمراجعة المصادر لإتمام تاريخه من ناحية أخرى.
وأثارت دروسه إعجاب طلاب العلم من جهة، وحسد الشيوخ القدماء من جهة أخرى، واشتد حسد هؤلاء عليه بوجه خاص من جراء ازدياد تقربه إلى السلطان.
ويظهر أن السلطان كان مولعا بالتاريخ؛ ولذلك اهتم بمشروع ابن خلدون، فشجعه على مواصلة البحث والتأليف لإتمام كتابه الخطير.
وانتهى ابن خلدون من تأليفه وهو في تونس، وقدم نسخة منه إلى السلطان. ويقول لنا هو في هذا الصدد ما يلي: «أكملت منه أخبار البربر وزناتة، وكتبت من أخبار الدولتين وما قبل الإسلام ما وصل إلي منها، وأكملت منه نسخة رفعتها إلى خزانته.»
ويوم تقديم هذه النسخة إلى السلطان أنشد بين يديه قصيدة امتدحه فيها، وأشار إلى الكتاب الذي قدمه إليه.
والقصيدة طويلة نقل لنا منها في ترجمة حياته مائة بيت وبيت، ثمانية منها تتعلق بالكتاب، ونحن ندرج فيما يلي هذه الأبيات فقط لتعلقها بموضوع دراساتنا هذه:
وإليك من سير الزمان وأهله
نامعلوم صفحہ