دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
اصناف
ومن الطبيعي أن التنافس القائم بين هذه القوى الأساسية الأربع، كان يفسح مجالا واسعا لقيام طائفة من المتنافسين والمتخاصمين الثانويين الذين يزيدون الفتن اضطراما.
إن هذه الخصومات والفتن استمرت سنوات عديدة، لعب ابن خلدون خلالها دورا فعالا بالطريقة التي شرحناها آنفا.
إنه شايع في بادئ الأمر سلطان تلمسان «أبو حمو»، وساعده أولا؛ باستتباع القبائل وتوجيهها لمناصرته، وثانيا؛ بضمان اتصال تلمسان بتونس عن طريق الصحراء، مارا ببيسكرة.
ولكن بعد ذلك عندما استولى سلطان المغرب عبد العزيز على تلمسان خابر ابن خلدون وطلب مساعدته على توطيد حكمه في المغرب الأوسط، وابن خلدون لبى هذا الطلب، وانصرف من مشايعة «أبو حمو» إلى مشايعة عبد العزيز، وخدمه بذلك خدمة ثمينة.
ولعب ابن خلدون هذه الأدوار السياسية خلال هذه السنوات العديدة بفضل المهارة التي اكتسبها في أمر إقناع القبائل واستمالتها، وبفضل الزعامة المعنوية التي حصل عليها بين سكان البوادي بوجه عام.
إلا أن تعاظم نفوذ ابن خلدون على العشائر بهذه الصورة أخذ يثير - بعد مدة - هواجس صاحب بيسكرة، الذي كان الزعيم الرسمي لمنطقة الزاب؛ إنه صار يخاف من زوال نفوذه على القبائل بتاتا؛ ولهذا السبب أخذ يعمل لتبعيد ابن خلدون من بيسكرة، ووسط البعض من أصحابه لحمل سلطان المغرب على استدعاء ابن خلدون إلى فاس.
واضطر لذلك ابن خلدون أن يغادر بيسكرة - مع عائلته - إلى فاس. (7) احتضار الحياة السياسية (1372-1374)
ولكن ابن خلدون بعدما غادر بيسكرة قضى مدة سنتين مليئتين بالتقلبات المتوالية والاضطرابات المتزايدة.
إن هذه المدة كانت بمثابة «دور الاحتضار» لحياته السياسية الصاخبة، ونستطيع أن نقول إن الحياة السياسية التي عاشها ابن خلدون منذ دخوله الحياة العامة أخذت تلفظ أنفاسها الأخيرة خلال هاتين السنتين؛ لأننا سنجده بعد ذلك قد فارق الحياة السياسية بصورة نهائية.
لقد بدأت الأهوال والاضطرابات تنهال على ابن خلدون وهو في الطريق قبل أن يصل فاس؛ فإنه عندما وصل مليانة علم أن السلطان عبد العزيز قد مات، وأن ابنه «السعيد» نصب بعده للأمر، في كفالة الوزير ابن غازي.
نامعلوم صفحہ