دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
اصناف
والوزير المشار إليه أعاد ابن خلدون على ما كان عليه قبل دخوله السجن، غير أن حكم الوزير وسلطانه لم يدم طويلا؛ إذ لم يعترف بهذا الحكم جماعة من أمراء بني مرين، وثاروا عليه ملتفين حول الأمير منصور بن سليمان، ثم ظهر مطالب ثالث، هو الأمير «أبو سالم» الذي عاد من منفاه في الأندلس، مدعيا أحقيته في تولي السلطنة. وخلال هذه البلبلة السياسية رأى ابن خلدون أن ينضم إلى مناصري المطالب الأخير، وأخذ يبث الدعاية له بالأساليب التي كان برع فيها، حتى إنه خرج إليه وشجعه على الإسراع في التقدم نحو العاصمة، وفي الأخير دخلها في ركابه.
والسلطان أبو سالم بعدما تولى العرش بهذه الصورة، قدر خدمة ابن خلدون له حق قدرها واستعمله في كتابة سره، والترسيل عنه والإنشاء لمخاطباته، وفي الأخير ولاه «خطة المظالم» أيضا.
في عهد هذا السلطان عاش ابن خلدون مرتاحا، ثم أخذ نفسه بالشعر، «فانثال عليه منه بحور - حسب تعبيره هو - توسطت بين الإجادة والقصور.»
ولكن السلطان أبا سالم لم يبق على عرش السلطنة إلا مدة سنتين؛ لأن وزيره عمر بن عبد الله ثار عليه مع جماعة من المتذمرين وقتله، ثم نصب محله «ابن تاشفين» ليبقى هو مستبدا بالأمر وراء اسم هذا السلطان الصغير.
إن الوزير عمر هذا عندما أصبح الآمر والناهي المطلق بهذه الصورة، أقر ابن خلدون «على ما كان عليه، ووفر إقطاعه وزاد في جرايته»، ولكن ابن خلدون كان «يسمو بطغيان الشباب إلى أرفع مما كان عليه»، كما أنه كان ينتظر من هذا الوزير أن يوليه منصبا أعلى من منصبه؛ بسبب وشائج المودة التي كانت قائمة بينهما منذ مدة غير قصيرة، هذه المودة كانت تقوت بوجه خاص عندما كانا يجتمعان في مجالس الأمير محمد - صاحب بجاية - وفضلا عن ذلك فإن تعرف عمر بن عبد الله إلى السلطان «أبو سالم» كان قد تم بفضل ابن خلدون، ولهذه الأسباب اعتبر ابن خلدون سلوك الوزير نحوه منافيا لموجبات هذه السوابق، فرأى «أن يهجره، وقعد عن دار السلطان مغاضبا له.»
ولكن الوزير لم يهتم بهذا الموقف وأعرض عنه.
عندئذ قرر ابن خلدون «الرحلة إلى بلده بإفريقية» وطلب الإذن لذلك.
وفي ذلك التاريخ كان أبو حمو استرجع من المرينيين ملك بني عبد الواد في تلمسان والمغرب الأوسط، فخشي الوزير أن ينضم ابن خلدون إليه ويقربه؛ ولذلك لم يرض بسفره إلى إفريقية.
ولكن بعد توسط بعض الأصحاب وافق الوزير في الأخير على سفر ابن خلدون إلى أي محل شاء «شريطة العدول عن تلمسان».
فاختار ابن خلدون الأندلس، وصرف ولده وأمهم إلى أخوالهم أولاد القائد محمد بن الحكيم بقسنطينة، وتوجه هو إلى سبتة في طريقه إلى الأندلس. (4) في الأندلس (1362-1365)
نامعلوم صفحہ