دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
اصناف
بعد أن علمنا تأثير «مناقب الأسرة وتقاليدها الأساسية» في نفسية ابن خلدون، يجدر بنا أن نلقي نظرة عابرة إلى حياته العائلية أيضا:
كان جد مؤلف المقدمة لا يزال حيا عند ولادته هو، إلا أنه مات عندما كان ابن خلدون لا يزال طفلا في الخامسة من عمره.
وأما والده ووالدته فقد عاشا حتى بلوغه السابعة عشر من العمر، وماتا معا خلال الطاعون الجارف الذي عم البلاد.
وهكذا حرم ابن خلدون من الأب والأم في وقت واحد عندما كان في عتبة الشباب، ولم يبق حوله من أسرته إلا أخ أكبر منه، وآخر أصغر.
ونحن نعتقد أن حرمان ابن خلدون من والديه في سن مبكرة كان من العوامل التي قللت ارتباطه بأسرته وبمسقط رأسه، وفتحت أمامه أبواب الرحلة والتنقل على مصراعيها، وساعدته بذلك على خوض غمار الحياة السياسية في تلك الأزمنة المضطربة في مختلف الأقطار المغربية.
في الواقع أن ابن خلدون تزوج عندما كان في المغرب الأوسط، وأنجب عدة أولاد، فأصبح بذلك رئيس عائلة.
ولكن يظهر أنه كان قد تعود التنقل والمغامرة قبل ذلك، ولهذا السبب نجد أن أعباء هذه العائلة لم تؤثر في سير حياته أبدا، ويتبين من ترجمة حياته أنه عندما كان ينتقل من مدينة إلى أخرى، ومن قطر إلى آخر كان يفارق عائلته إلى أن يستقر - إلى حد ما - في محل جديد، فيستدعيها بعد ذلك إلى هناك، ونحن نعلم أن هذه الحالة تكررت مرات عديدة في تواريخ مختلفة.
مثلا عندما رحل إلى الأندلس صرف زوجته مع أولاده إلى أخوالها في قسنطينة، ولم يستدعها إلى غرناطة إلا بعد أن تهيأت له أسباب الاستقرار هناك، ولكن من المعلوم أنه لم يمكث في الأندلس - بعد وصول عائلته - أكثر من سنة، وسافر بعدها إلى بجاية ، وعاد مرة أخرى إلى معامع السياسة.
وكذلك عندما رحل من تونس إلى مصر، ترك عائلته في مسقط رأسه، ولم يستدعها إلى القاهرة إلا بعد أن استقر فيها وصار مدرسا، ولكن هذه المرة لم يتيسر له الالتقاء بها؛ لأن السفينة التي كانت تقل العائلة مع أمتعتها غرقت قبل الوصول إلى الإسكندرية، وأصبح ابن خلدون محروما من الأهل والعيال بكل معنى الكلمة.
عصر ابن خلدون
نامعلوم صفحہ