دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
اصناف
فيحق لنا أن نقول: إن النظرية الأولى - أي نظرية العمر - تتعلق بالدول العادية، وأما النظرية الأخيرة - أي نظرية الأمد - فتحوم حول أحوال «الدول العامة»، و«الدول المتسعة النطاق»، كما يحق لنا أن نقول لذلك: إن ابن خلدون نفسه قد صحح وكمل نظريته الأولى بنظريته الأخيرة.
ولكن هل كتب ابن خلدون هذه الفصول المختلفة منذ البداية، ووضع هاتين النظريتين في وقت واحد؟ أم أنه توصل إلى الأخيرة بعد مرور مدة على توصله إلى الأولى؟ إننا لا نجد مجالا للإجابة على هذا السؤال ما لم ندرس نسخ المقدمة ونقارنها - على طريقة النقد الخارجي - وفقا للخطة التي كنا رسمناها في الدراسة التي كتبناها عن تاريخ كتابة المقدمة. (3) أطوار الدولة
يعرض ابن خلدون نظريته في تطور الدول من وجهة الأحوال العامة والأخلاق - بصورة مجملة - في فصل خاص من فصول الباب الثالث ؛ هو فصل «أطوار الدولة واختلاف أحوالها وخلق أهلها باختلاف الأطوار» (ص175)، ولكنه يتكلم - قبل هذا الفصل الإجمالي العام - عن كل طور من تلك الأطوار، وكل حالة من تلك الأحوال، في فصل خاص، أو في عدة فصول.
مثلا إن الفصل الذي يقرر «أن من طبيعة الملك الانفراد بالمجد» (ص161)، إنما يشرح - في حقيقة الأمر - طورا من أطوار الدولة، هو الطور الذي ينعت في الفصل الإجمالي المذكور باسم «الطور الثاني». وأما الفصول الثلاثة التي تلي ذلك، والتي تقرر «أن من طبيعة الملك الترف» (ص167)، وأن «من طبيعة الملك الدعة والسكون» (ص167)، و«أنه إذا تحكمت طبيعة الملك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة؛ أقبلت الدولة على الهرم» (ص167)؛ «فهي تشرح وتعلل الأحوال التي ترافق الطور المذكور. فهذه الفصول الأربعة يجب أن تقرأ ككل، ويجب ألا يغرب عن البال أن فصل الأطوار يستند - في حقيقة الأمر - إلى أبحاث هذه الفصول الأربعة، ويلخصها نوعا ما.
وأما الفصول التي تقرر «أن الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك» (ص139)، و«أن الملك والدولة العامة إنما يحصلان بالقبيل والعصبية» (ص154)، و«أن من عوائق الملك حصول الترف وانغماس القبيل في النعيم» (ص140)، و«أن من علامات الملك التنافس في الخلال الحميدة» (ص142)؛ فكلها تشرح الطور الأول من الأطوار المذكورة، وهو الطور الذي يسميه ابن خلدون باسم «طور الظفر بالبغية».
وأما مباحث الفصول التي تقرر «أن الدولة لها أعمار كما للأشخاص» (ص170)، و«أن الترف يزيد الدولة في أولها قوة على قوتها» (ص174)، والتي تشرح كيفية «انتقال الدولة من البداوة إلى الحضارة» (ص172)، و«استظهار صاحب الدولة على قومه وأهل عصبيته بالموالي والمصطنعين» (ص183)؛ كلها تمت بصلة قوية لهذا الموضوع، وتتمم نظرية ابن خلدون في أطوار الدولة.
ثم إن مباحث الفصل الذي يقرر «أن الهرم إذا نزل بالدولة لا يرتفع» (ص293)، والذي يشرح «كيفية طروق الخلل للدولة» (ص294)، توضح آراء ابن خلدون في هذا الصدد تمام الإيضاح. كما أن مباحث الفصل الذي يقرر «أن الدولة المستجدة إنما تستولي على الدولة المستقرة بالمطاولة لا بالمناجزة» (ص297)، أيضا تمت إلى موضوع أطوار الدولة بصلات قوية. •••
يقرر ابن خلدون في فصل «أطوار الدولة واختلاف أحوالها وخلق أهلها باختلاف الأطوار» (ص175-177): «إن الدولة تنتقل في أطوار مختلفة وحالات متجددة، ويكتسب القائمون بها في كل طور خلقا من أحوال ذلك الطور، لا يكون مثله في الطور الآخر.»
ويقول: «إن حالات الدولة وأطوارها لا تعدو في الغالب خمسة أطوار.»
ثم يشرح الأحوال التي يمتاز بها كل طور من هذه الأطوار، والأخلاق التي تنشأ عن طور منها. (1)
نامعلوم صفحہ