دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
اصناف
يعزو ابن خلدون إلى الأقاليم والطبيعة بعض التأثير في أخلاق البشر وأحوالهم، ويدون آراءه في هذا الصدد في المقدمات الثالثة والرابعة والخامسة من الباب الأول. (1)
إنه يشرح أولا تأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم.
من المعلوم أن الجغرافيين القدماء كانوا يقسمون الأرض إلى سبعة أقاليم، كما يقسمون كل إقليم إلى عشرة أجزاء، حسب درجة العرض الجغرافي. إن ابن خلدون ينقل عنهم هذه التقسيمات، ثم يتحرى كيفية توزع العمران البشري في هذه الأقاليم.
تتميز الأقاليم بعضها عن بعض بدرجة الحرارة والبرودة، فهذه الدرجة تكون في غاية التوسط والاعتدال في الإقليم الرابع الذي يقع في وسط الأقاليم السبعة تماما، وتكون أقرب إلى الاعتدال في الإقليمين الثالث والخامس، اللذين يجاوران هذا الإقليم المتوسط، غير أنها تكون بعيدة عن الاعتدال في الإقليمين الثاني والسادس، وأبعد من ذلك بكثير في الإقليمين الأول والسابع.
ولهذا يعتبر ابن خلدون الأقاليم الثلاثة المتوسطة «معتدلة»، وينعت الأقاليم الباقية ب «المنحرفة»؛ لإفراط الحرارة في الإقليمين الأول والثاني، وإفراط البرودة في السادس والسابع.
إن اعتدال الحرارة والبرودة يساعد على وفرة العمران، وأما إفراط الحرارة فيتساوى مع إفراط البرودة في عدم المساعدة على ذلك؛ ولهذا فإن الأقاليم المتوسطة المعتدلة تختص بكثرة المدن والأمصار، وتمتاز بكثرة الأمم «المنتحلين للعلوم والصنائع والملل والشرائع والسياسة والملك» (ص85).
إن ابن خلدون يعبر عن رأيه هذا بعبارات صريحة، في عدة مواضع من المقدمة: «أهل الأقاليم المتوسطة يمتازون بالاعتدال في خلقهم وخلقهم وسيرهم، وكافة الأحوال الطبيعية للاعتمار لديهم، من المعاش والمساكن والصنائع والعلوم والرئاسات والملك، فكانت فيهم النبوءات والملك والدول والشرائع والعلوم والبلدان والأمصار والمباني والفراسة والصنائع الفائقة» (ص85).
وكذلك هم «أعدل أجساما وألوانا وأخلاقا وأديانا، حتى النبوءات إنما توجد في الأكثر فيها.» «إن أهل هذه الأقاليم أكمل لوجود الاعتدال فيهم، فنجدهم على غاية من التوسط في مساكنهم وأقواتهم وصنائعهم، يتخذون البيوت المنجدة بالحجارة المنمقة بالصناعة، ويتناغون في استجادة الآلات والمواعين، ويذهبون في ذلك إلى الغاية» (ص82).
وأما الأقاليم المنحرفة فهي قليلة العمران بوجه عام إن أممها «ليست لهم الكثرة البالغة ومدنها كذلك» (ص49).
أهل هذه الأقاليم متأخرون «في جميع أحوالهم؛ فبناؤهم بالطين والقصب، وأقواتهم من الذرة والعشب، وملابسهم من أوراق الشجر، أو الجلود، وأكثرهم عرايا من اللباس، وأخلاقهم قريبة من خلق الحيوانات العجم» (ص83).
نامعلوم صفحہ