219

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

اصناف

ويستشهد على ذلك بما «وقع للعرب لما كان الفتح، وملكوا فارس والروم، ويستعرض ما حدث في المشرق والمغرب، ثم يقول: «تنتقل الحضارة من الدول السابقة إلى الدول الخالفة» (ص174).

ويذكر كيف انتقلت حضارة الفرس للعرب بني أمية وبني العباس، وانتقلت حضارة بني أمية بالأندلس إلى «ملوك المغرب من الموحدين وزنانة لهذا العهد»، وانتقلت حضارة بني العباس إلى الديلم، ثم إلى الترك، ثم إلى السلجوقية، ثم إلى الترك المماليك بمصر والتتر بالعراقين» (ص174). (3)

يكرر ابن خلدون في عدة مواضيع تقليد الرعية للسلطان من جهة، وتقليد الدولة الجديدة للدولة السابقة من جهة أخرى.

فنراه يقول في مقدمة الكتاب: «إن عوائد كل جيل تابعة لعوائد سلطانه، كما يقال في الأمثال الحكمية: الناس على دين الملك، وأهل الملك والسلطان إذا استولوا على الدولة والأمر، فلا بد أن يفزعوا إلى عوائد من قبلهم، ويأخذون الكثير منها» (ص39).

ويقول كذلك في الفصل الذي يقرر «أن من طبيعة الملك الترف»: «إن الأمة إذا تغلبت وملكت ما بأيدي أهل الملك قبلها؛ يذهبون إلى اتباع من قبلهم في عوائدهم وأحوالهم، ويناغي خلفهم في ذلك سلفهم»، إلى أن تبلغ الدولة غايتها «بحسب قوتها وعوائد من قبلها» (ص167).

ويقول ابن خلدون في فصل «خراب الأمصار بخراب الدولة» ما يأتي: «الرعايا تبع للدولة؛ فيرجعون إلى خلق الدولة، إما طوعا لما في طباع البشر من تقليد متبوعهم» (ص374).

كما يقول في فصل طروق الخلل للدولة: «يقلد الآخر من أهل الدولة في ذلك الأول، مع ما يكون قد نزل بهم من مهلكة الترف الذي قدمناه» (ص295).

ويقول عند شرح زيادة النفقات وتعمم الإسراف: «يستفحل الملك، فيدعو إلى الترف، فيكثر الإنفاق بسببه، فتعظم نفقات السلطان وأهل الدولة على العموم، بل يتعدى ذلك إلى أهل المصر، ثم يعظم الترف فيكثر الإسراف في النفقات، وينتشر ذلك في الرعية؛ لأن الناس على دين ملوكها وعوائدها» (ص397).

ويشير ابن خلدون - في فصل أطوار الدولة - إلى تقليد الخلف للسلف إشارة صريحة؛ لأنه - عندما يشرح الطور السابع الذي يسميه باسم طور القنوع والمسالمة - يقول ما يلي: «يكون صاحب الدولة في هذا الطور قانعا بما بنى أولوه سلما لأنظاره من الملوك وأقتاله، مقلدا للماضين من سلفه، فيتبع آثارهم حذو النعل بالنعل، ويقتفي طرقهم بأحسن مناهج الاقتداء، ويرى أن الخروج عن تقليدهم فساد أمره، وأنهم أبصر بما بنوا من مجده» (ص174). (4)

يلاحظ ابن خلدون عمل التقليد والمحاكاة في التربية والتعليم أيضا، فإنه يعبر عن رأيه في هذا الصدد بصراحة تامة في الفصل الذي يقرر «أن الرحلة في طلب العلم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعليم»: «والسبب في ذلك أن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل، تارة تعليما وإلقاء، وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة، إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاما ورسوخا» (ص541).

نامعلوم صفحہ