دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
اصناف
ومما يجب ألا يغرب عن البال أن هذه القرون الثلاثة والنصف التي مرت بين كتابة الكتابين، كانت من أخصب القرون في تقدم الفكر البشري، وأغناها في الانقلابات الفكرية والعلمية الأساسية.
ذلك لأنه في هذه المدة حدثت «حركة الانبعاث» في أوروبا، وتم اكتشاف أمريكا، واختراع الطباعة، كما تم الطواف حول العالم، واختراع التلسكوب، فتوسعت بذلك آفاق معارف الإنسان توسعا هائلا. وفي خلال هذه المدة نشأ «ديكارت، وبيكن، وكيلر، ونيوتن»؛ فانقلبت طرائق التفكير والبحث انقلابا كليا، وتعبدت طرق الأبحاث العلمية، متخلصة من أوحال «التفكير الدرساني»
Schoiastique
بصورة قطعية.
فمن أعظم الأمور المشرفة لابن خلدون أنه سار سيرا علميا في تفكيره قبل حدوث الانقلابات الفكرية التي أشرنا إليها، في حين أن فيكو ظل بعيدا عن مسالك التفكير العلمي، مع أنه عاش وكتب بعد الانقلابات العظيمة التي ذكرناها آنفا. •••
إن روبرت فلينت كان قد قال - كما ذكرنا ذلك سابقا: «إن حق ابن خلدون في ادعاء شرف التسمية باسم مؤسس علم التاريخ أو فلسفة التاريخ، أثبت وأقوى من حق كل كاتب سبق فيكو.»
أما أنا فلا أتردد في القول - مستندا إلى الأبحاث والمقارنات الآنفة الذكر: إن حق ابن خلدون في هذا المضمار أقوى وأثبت من حق فيكو نفسه أيضا؛ وذلك ليس لأنه كان أقدم منه كثيرا فحسب، بل لأنه كان أقرب إلى الروح العلمية الحديثة، على الرغم من هذه الأقدمية أيضا.
ابن خلدون ومونتسكيو
(1) حياة مونتسكيو وآثاره (1)
مونتسكيو
نامعلوم صفحہ