دین
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
اصناف
لكن بين القدر الذي عرفناه من تاريخ البشرية وبين عصر نشأتها، لا تزال الثغرة واسعة لم تسد ولن تسد؛ إذ لم يقل أحد إن الوقائع المفقودة الوثائق يمكن إثباتها على وجه قاطع بمثل هذا الضرب من التخمين، اعتمادا على مجرد حسن المقابلة وجمال التناسق بينها وبين الوقائع المعروفة، دون تثبت من تشابه الظروف والملابسات في طرفي القياس.
هكذا عجزت وسائل العلوم أن تقدم لنا بيانا شافيا يطمئن إليه القلب عن ديانة الإنسان الأول، أما من أحب أن يسترشد بنصوص الكتب السماوية، فإنه سوف يجد فيها ما شد أزر القائلين بأولية العقيدة الإلهية الصحيحة، لا في الغريزة فحسب:
فطرة الله التي فطر الناس عليها ،
4
بل في التطور الزماني كذلك، فهذه النصوص تنادي بأن الناس بدءوا حياتهم مستقيمين على الحق مؤتلفين عليه، وأن الانحراف والاختلاف إنما جاء عرضا طارئا بعد ذلك:
وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ،
5
وأن استمرار هذا الخلاف واتساع شقته إنما كان بتأثير الوراثة وتلقين كل جيل عقيدته للناشئين فيه: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه».
6
وإلى ذلك كله فإن الكتب السماوية متفقة على أن الجماعة الإنسانية الأولى لم تترك وشأنها تستلهم غرائزها وحدها، بغير مرشد ومذكر، بل تعهدتها السماء بنور الوحي من أول يوم، فكان أبو البشر هو أول الأفذاذ الملهمين، وأول المؤمنين الموحدين، وأول المتضرعين الأوابين.
نامعلوم صفحہ