دین
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
اصناف
غير أن الاتحاد في موضوع البحث لا يعني دائما الاتفاق على نتائجه، فكما أمكن أن تختلف الأديان
1
في تعيين الحلول لهذه المسائل الكبرى؛ اختلفت مذاهب الفلسفة فيما بينها اختلافا كثيرا، بل قد يكون الاختلاف بين الفلسفة أشد تباعدا وأكثر تشعبا منه بين أهل الأديان.
وليس يعنينا هنا أن نبحث عن وجوه الاختلاف الداخلي بين أهل المعسكر الواحد من هذا الفريق أو ذاك، ولكن الذي يعنينا هو أن نعرف الوجوه التي فصلت بين هذين المعسكرين: الديني والفلسفي، حتى جعلت كل طائفة منهما ذات لقب خاص، لا يسوغ نقله إلى الطائفة المقابلة لها.
وإذ لا سبيل لنا إلى الفصل بين موضوعي الديانة والفلسفة، بعد أن تبينت وحدة هذا الموضوع؛ بقي أمامنا أن نبحث عن وجه اختلافهما في النتائج التي وصل إليها كل منهما.
غير أننا لا نستطيع أن نصدر ها هنا حكما عاما شاملا، يجمع بين الحقيقتين كلية، أو يفصل بينهما كلية؛ إذ إننا نجد كثيرا من المذاهب الفلسفية قد توصلت بمجهودها العقلي المستقل إلى تقرير المبادئ الأولية التي قررتها الأديان، بينما نجد بعضا منها قد انفصل من أول الطريق أو من وسطه عن تلك المبادئ.
وأشد هذه المذاهب انفصالا، وأكثرها بعدا، هي المذاهب المادية، التي لا تعترف بشيء في الوجود وراء الحس والمشاهدة، فتنكر بذلك مبدأ رئيسيا مشتركا، تقوم عليه جميع الأديان، وتقره سائر الفلسفات. (3) الفلسفات الروحية التي تتفق مع الأديان في الأصول العامة تختلف عنها وعن بعض الوجوه
بل إن بعض الفلسفات الروحية، التي تتلاقى مع الديانات في الاعتراف بأن للعالم صانعا قديرا، قد فهمت الصلة بين هذا الإله وبين العالم على وجه يجعلها تتخلف عن ركب الأديان في مرحلة أو أكثر؛ إذ تفقد به عنصرا آخر من عناصر الديانات، وأهمها عنصران:
العنصر الأول:
عنصر «بدء الخلق»؛ أي إحداث المادة من العدم، وهو مبدأ تعترف به جميع النحل الدينية، في حين أن بعض قدماء اليونان كان يرى أن الروح المدبر للعالم لم ينشئ هذا العالم إنشاء، بل إنه وجد أمامه المواد الكونية مبعثرة بغير نظام، فقام بتنسيقها على هذا الوجه الهندسي المتقن، فالخالق في نظرهم ليس بارئا، بل هو صانع ماهر
نامعلوم صفحہ