انسان کا دین
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
اصناف
على أن هذا النوع من الشخصيات الميثولوجية ليس الدرجة الأخيرة في سلم تشخيص القوة الإلهية في أستراليا؛ فلقد تم التوصل أحيانا إلى مفهوم مشترك عن شخصية مبجلة، لا بين العشائر المؤلفة لقبيلة واحدة، بل بين عدد من القبائل. وهذه الشخصية هي التي وصفها أصحاب نظرية التوحيد الأصلي بأنها تشبه بالفعل ما يعرفونه عن الإله الأعلى. غير أن تتبع سيرة حياة هذا الكائن الأعلى في الثقافة الأسترالية، يظهر بوضوح أصله كسلف ارتقى سلم الألوهة تدريجيا. فعلى ندرة وجود هذا النوع من السلف-الإله في الديانة الأسترالية التي تدور حول المبدأ الطوطمي وأرواح الأسلاف، فإنه يتمتع بخصائص متشابهة وسيرة حياة واحدة. فهو كائن عاش على الأرض ردحا من الزمن، ثم غادرها إلى السماء مع عائلته المؤلفة من عدد من الزوجات والأبناء والبنات، ومن هناك راح يدير حركة الأفلاك ويرسل المطر ويصنع البرق والصاعقة، وقد أشعل الشمس لكي تدفئ الأرض وتخرج الكائنات الحية من تربتها وكذلك الزرع والشجر، ثم قام بتعليم البشر كل ما من شأنه إعانتهم على الحياة، وهو يتواصل معهم إما مباشرة أو عن طريق وسطاء. وبما أن طقوس التعدية هي الأكثر أهمية بين الطقوس، فإن هذا الكائن الأعلى هو المعني بها؛ فخلال الاحتفال تنقش على قطعة من الخشب هيئة ترمز إلى صورته، فيرقص المحتفلون حولها ويغنون ويبتهلون، ثم يكشفون للبالغين الذين يتلقون أسرار دينهم في هذا الاحتفال عن الاسم السري له، ويقصون عليهم سيرة حياته وعجائب فعاله، وهم في الإشارة إليه غالبا ما يرفعون أيديهم ويوجهون حرابهم نحو السماء حيث يقيم. وبما أن طقوس التعدية هذه هي العبادة الوحيدة التي تدور حول هذا الكائن الأعلى، فإنهم يعتقدون بأنه يوليها كل العناية، ويحرص على أدائها بحذافيرها كل الحرص.
إلى هنا ينتهي بنا مطاف البحث عن أصل الآلهة المشخصة، وقد ختمناه بمثال عن أكثر الثقافات البدائية بساطة، أجبنا من خلالها على نظرية التوحيد البدئي، وأظهرنا في الوقت نفسه كيفية تكون صور الآلهة من مفهوم الروح، ومن مؤسسة عبادة الأسلاف. فصورة الإله المشخص لم تكن أبدا بدهية من بدهيات العقل الإنساني، بل تكونت عن أفكار دينية أسبق منها، ومعتقدات تدور حول الألوهة غير المشخصة، حول القوى الغفلة التي تكمن عند جذور الدين.
إلا أن السؤال الكبير، الذي سيكون موضوع المنعطف القادم في دراستنا، هو التالي: ولكن هل حلت الآلهة المشخصة، بعد أن ظهرت في تاريخ الدين، محل الألوهة غير المشخصة؛ وهل غاب المجال القدسي وقوته السارية تماما خلف أقنعة الآلهة المشخصة المتعددة؟
لقد بدأنا فعلا بالإجابة على هذا السؤال، عندما استعرضنا المثال المصري، أثناء بحث الصلة بين السحر والدين، حيث أظهرنا أن الآلهة المصرية المشخصة، التي يقدمها عادة دارسو الدين باعتبارها المركز الذي دارت حوله ديانة مصر القديمة، ليست في حقيقة الأمر إلا تجليات للإله الأكبر رع، الذي يشكل بدوره الرمز البدئي للمطلق غير المرئي نتر، أو المجال القدسي بالمصطلح الذي استخدمناه حتى الآن. وبما أن هذا الكتاب ليس دراسة في تاريخ الدين، فإن المثال المصري سيكون المثال الوحيد الذي نسوقه من الديانات الكبرى للشرق الأدنى القديم، ولسوف نلتفت في القسم التالي من دراستنا إلى استقصاء أديان الشرق الأقصى، التي وجدنا فيها أوضح مثال على تعايش مفهوم الآلهة المشخصة إلى جانب مفهوم المجال القدسي. ستظهر لنا الجولة الواسعة القادمة في المعتقدات الشرق أقصوية كيف أن لآلهة المشخصة، بما فيها الكائن الأعلى، ليست سوى مرحلة وسيطة، ودرجة يتكئ عليها الإيمان الديني في تطلعه الدائم نحو المجال القدسي وقوته المتبدية في عالم الناس، وهو الإيمان الذي ترسخت أسسه منذ أن انتصب الإنسان على قائمتين وصنع الأدوات الحجرية. •••
في مطلع القسم المنصرم من دراستنا، أرجعنا الدين إلى بنية الحد الأدنى التي وجدناها في المعتقد، ثم قلنا إن بالإمكان إرجاع المعتقد ذاته إلى حد أدنى أسميناه بالحد الأدنى الاعتقادي، وهو الصيغة البسيطة الأساسية التي تقوم عليها المعتقدات الدينية في كل عصر وكل مكان. وما زلنا في رحلة البحث عن هذه الصيغة التي تثبت حقيقتها كلما تقدمنا في البحث، وتتحول الفرضية إلى نظرية مدعمة.
الباب الخامس
المعتقد وبنية الحد الأدنى [تابع]
المطلق ونسبية الآلهة في معتقدات الشرق الأقصى
الفصل الأول
كامي/تاو
نامعلوم صفحہ