انسان کا دین
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
اصناف
ومع الآخرين من أصحاب النظريات التي اعتمدت دراسة الثقافات البدائية الحديثة، وأتابع اختبار أطروحة نشوء فكرة الآلهة عن عبادة الأسلاف، اعتمادا على المعلومات الموثقة عن ثقافة العصر الحجري، وهي الثقافة الوحيدة التي تستحق صفة الثقافة البدائية الأصلية. •••
لقد لفتنا النظر في حينه إلى طقوس الدفن عند الإنسان النياندرتالي إبان الباليوليت الأوسط، ورأينا كيف أشارت هذه الطقوس إلى اعتقاد بوجود الروح، وبانقسام الأحياء إلى جسد مادي وشبح أثيري يعبر من القبر إلى مستوى آخر الوجود. كما وجدنا في بعض ترتيبات الدفن النياندرتالية تعبيرا عن الخوف من عودة الروح إلى جسد المتوفى؛ لأن الروح قد تزودت بقوة تفوق قوى الأحياء بعد عبورها إلى المستوى الآخر؛ ولذا فإن عودتها إلى جسد صاحبها سوف تخل، بشكل أو آخر، بالنظام الطبيعي وبالعلاقات ضمن الجماعة. كما لاحظنا أيضا استمرار طقوس الدفن هذه وتنوعها خلال الباليوليت الأعلى؛ عصر الإنسان العاقل، وأكدنا على أهمية استخدام مادة المغرة الحمراء بالنسبة لمعتقد استمرار الحياة فيما وراء القبر، فهذه المادة التي طليت بها أجساد الموتى وبعض الأثاث الجنائزي داخل القبر، ترمز إلى الدم الذي هو شعار الحياة، وتزود الروح بقوة تساعدها على عبور البرزخ بين العالمين إلى الحياة الخالدة. ولعل ما يؤكد هذه القيمة الرمزية للمغرة الحمراء، استمرارها إلى اليوم لدى الشعوب البدائية؛ فسكان أستراليا الأصليون ما زالوا إلى اليوم يعقدون صلة بين هذه المادة وطاقة الحياة في الإنسان. وقد نال الرأس عناية خاصة في شعائر الدفن، سواء لدى النياندرتال أو الإنسان العاقل؛ فقد نجده متوسدا كومة من الأصداف والقواقع، أو محميا بحجر كبير ملاصق، أو موضوعا ضمن صندوق مؤلف من لوحين حجريين جانبيين ولوح أفقي فوقهما، أو محاطا بدائرة من الأحجار التي تمنع إيذاء الجمجمة في حال سقوط ثقل ما فوقها. وهناك حالات نادرة تدل على اللجوء أحيانا إلى الاحتفاظ بجمجمة الميت، وعرضها في مكان بارز في كهف السكن.
يضع كثير من علماء العصر الحجري ومؤرخي الأديان هذه الشعائر الجنائزية تحت عنوان عبادة الأموات، ويستنتجون أن نوعا ما من عبادة الأموات كان معروفا خلال الباليوليت الأعلى. ولكن المعلومات المتوفرة لدينا حتى الآن لا تدعم هذا الاستنتاج؛ فلكي يكون لدينا عبادة (=
Cult ) بالمفهوم الديني لهذه الكلمة، يجب أن تتوفر في الطقوس الممارسة خاصية التكرار الدوري عبر فترات منتظمة، وذلك بغرض توكيد وتدعيم صلة الجماعة مع القوى أو الكائنات القدسية التي تؤمن بها وتعتمد عليها، أما ما نراه من طقوس متفرقة تمارس كلما دعت الحاجة إليها، فلا تشكل عبادة بالمعنى الاصطلاحي الدقيق. من هنا فإن الطقوس المرتبطة بدفن الموتى لا يمكن أن ترقى إلى مرتبة العبادة إلا إذا استمرت إلى ما بعد الدفن، وجرت ممارساتها بشكل منتظم وكجزء من عملية شاملة لتقديس المتوفى والإبقاء على ذكراه، وصارت بذلك جزءا من الحياة الروحية لسلالة المتوفى. ونحن لن نلاحظ البدايات المنتظمة الأولى لمثل هذه العبادة إلا إبان العصر النيوليتي في سوريا، حيث بدأنا نلاحظ طقوسا حقيقية تتعلق بجماجم الموتى؛ فمع أوائل الألف الثامن قبل الميلاد، نستطيع التحدث بكثير من الثقة عن ظهور البدايات الأولى لتقديس الموتى وعبادة الأسلاف.
منذ العصر النطوفي الذي مهد للثورة النيوليتية في سوريا القديمة، نلاحظ عادة دفن جماجم الموتى في استقلال عن هياكلها العظمية. ففي موقع عرق الأحمر بفلسطين، لم يعثر المنقبون إلا على هيكل عظمي كامل واحد، بينما احتوت بقية القبور على جماجم مدفونة بشكل جماعي، وكل جمجمة بجانبها سن حصان. أما في المواقع النطوفية التي وجدت في مقابرها هياكل عظمية كاملة، فقد لاحظ المنقبون استمرار عادات الدفن القديمة التي سادت في الباليوليت الأعلى والأوسط، فالهياكل مثنية بقوة في حفر صغيرة، والرأس يستند على وسادة حجرية، بينما وضعت على المفاصل أحجار ثقيلة، وهناك آثار لطلاء أحمر.
9
وسوف تتوضح أمامنا بالتدريج ، كلما تقدمنا نحو العصر النيوليتي، الأهمية الخاصة للرأس في شعائر الدفن التي تدور حول معتقد يرى في الرأس مستودعا لقوة قدسية.
في مستوى النيوليت ما قبل الفخار في موقع أريحا بفلسطين (مطلع الألف الثامن) عثر على عدد من القبور يحتوي كل منها على جماجم مرتبة في مجموعات، تضم كل مجموعة خمس أو ثلاث جماجم مرصوفة على شكل دائرة وجوهها تتجه نحو المركز، وفي حالة خاصة عثر على هيكل لطفل تصحبه مجموعة من جماجم الأطفال.
10
وهناك دلائل تشير إلى أن بعض الأسر كانت تدفن جمجمة أحد أسلافها تحت المنزل الجديد، كنوع من حجر التأسيس للبناء، فتوضع في الزاوية عند التقاء جدارين. ويبدو أن الهدف من هذه العادة هو الاحتفاظ بالقوة الروحية لذلك السلف في البيت.
نامعلوم صفحہ