انسان کا دین
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
اصناف
وبكلمات أخرى، فإن القوة السارية تتحرك في العالم جيئة وذهابا لتصنع المكان، وليست الموجودات جميعا إلا مظاهر لتكشف هذه الطاقة التي تجمع عالم اللاهوت وعالم الناسوت إلى وحدة تضمهما معا رغم التمايز الوهمي بينهما.
ستكون الخطوة الرئيسية التالية أن نعمد إلى دراسة معتقدات الحضارات الكبرى؛ لكي نختبر صحة استنتاجاتنا حول الحد الأدنى الاعتقادي، أو المعتقد الجوهري الذي تقوم عليه الظاهرة الدينية عند الإنسان. فهل ستظهر لنا معتقدات الحضارات الكبرى ما وجدناه في معتقدات الإنسان الأول والبدائي؟
قبل الشروع في هذه الخطوة الجديدة من دراستنا، سوف نتقدم باستطرادين لا بد منهما عند هذه المرحلة التي وصلنا إليها؛ الاستطراد الأول حول علاقة السحر بالدين؛ والثاني، وهو الأهم، حول ظهور الآلهة المشخصة في تاريخ الدين، وعلاقة معتقد الآلهة المشخصة بمعتقد المجال القدسي وقوته السارية.
الفصل الخامس
بين السحر والدين
انطلاقا من فرضية الفيلسوف هيجل، التي تقول بأن عصرا ساد فيه السحر قد سبق عصر الدين في تاريخ الحضارة الإنسانية، قام رائد الأنتروبولوجيا النظرية في بريطانيا السير جيمس فريزر بصياغة نظريته المعروفة حول أصل الدين وعلاقته بالسحر. في البداية، يفترض فريزر أنه قد مر على الإنسان عهد ظن فيه أن بمقدوره التحكم في سير عمليات الطبيعة بواسطة تعاويذه وطقوسه السحرية. وعندما اكتشف بعد فترة طويلة قصور هذه الوسائل عن تحقيق غايتها، تصور أن الطبيعة التي تأبت على الانصياع له، واقعة تحت سلطان شخصيات روحانية فائقة القدرة، فتحول إلى عبادة هذه الشخصيات واستعطافها، واسترضائها بالأضاحي والقرابين، لتقف في صفه وتلبي له حاجاته؛ وبذلك ظهر الدين وتحول الإنسان عن السحر، وحل كاهن المعبد محل ساحر القبيلة. يقول في كتابه الغصن الذهبي:
في شكله الصافي، يفترض السحر التعاطفي أن الأحداث في الطبيعة يتلو بعضها بعضا، بشكل اطرادي دون تدخل من شخصيات روحانية ما ورائية. من هنا، فإن المفهوم الأساسي للسحر يتشابه مع المفهوم الأساسي للعلم الحديث، حيث يسود الإيمان التام بالانتظام والتماثل في الطبيعة. فالساحر لا ينتابه شك في أن الأسباب الواحدة سوف تنتج بالضرورة النتائج نفسها، وفي أن إتيان الطقوس المناسبة المصحوبة بالتعاويذ المناسبة سوف تتلوها النتائج المرغوبة، إلا إذا تدخلت قوة ساحر أقدر منه للحيلولة دون ذلك. والساحر في عمله هذا، لا يلتمس عون أية قوة عليا، ولا يسعى لاستمالة كائن روحاني ما، متقلب المزاج أو عصي على الإرضاء. إنه يؤمن بقدرته غير المحدودة طالما استطاع استخدام تقنياته على الوجه الصحيح.
ولكن، إذا كان السحر هو أقرب الأقرباء إلى العلم من حيث افتراضاته الأساسية، فما هي صلته بالدين؟ قبل الشروع في الإجابة على هذا التساؤل، ينبغي علينا أن نوضح ما الذي نعنيه بالدين؛ لأن الإجابة سوف تتلون وفق ما نراه من شأن الدين وطبيعته. إن الدين، كما أراه، هو تلك الأفعال الهادفة إلى استعطاف أو استمالة قوى متفوقة، يعتقد الإنسان بقدرتها على التحكم بمسار الطبيعة والحياة الإنسانية؛ أي إن هنالك عنصرين مكونين للدين؛ واحد نظري يتعلق بالإيمان بالقوى المتفوقة، وآخر عملي يتعلق بالعمل على استرضاء هذه القوى.
فإذا كان الدين اعتقادا بكائنات خارقة تحكم العالم، والقيام بما من شأنه التأثير على هذه الكائنات، فإن الإنسان المتدين يفترض أن سير العمليات في الطبيعة هو عرضة للتبدل والتغير في أي وقت، إذا تدخلت الكائنات المقدسة التي تتحكم في الطبيعة من أجل ذلك، فإننا نستطيع إقناع هذه الكائنات بإحداث مثل هذه التغيير لصالحنا. وهذا يعني أن الطبيعة في الفكر الديني ذات خصائص مرنة، على عكس ما يتصورها الفكر السحري الذي يفترض فيها الصلابة والثبات، وعدم خروج عملياتها عن مسارها نتيجة التوسط لدى القوة الإلهية المتحكمة بها. وهكذا، فبمقدار ما ينظر الدين إلى العالم كجملة محكومة من قبل كائنات عليا عاقلة، يمكن التدخل لديها وإقناعها من أجل تعديل سلوكها، بمقدار ما يقف على طرف نقيض مع السحر ومع العلم أيضا؛ ذلك أن السحر والعلم يؤمنان بأن العالم لا تحكمه أهواء كائنات عليا مشخصة، بل عدد هائل من القوانين التي تفعل فعلها بشكل آلي. قد يتعامل السحر مع كائنات روحانية تشبه ما لدى الدين، إلا أنه يتعامل معها بطريقته الخاصة التي تختلف عن الدين؛ ففي الطقوس السحرية لا يتوسل الساحر إلى هذه الكائنات، بل إنه يجبرها على تنفيذ مشيئته ... وهنا نجد امتزاجا بين السحر والدين ضمن نظام مختلط ... إلا أن هذا التمازج ليس أصليا بل طارئ؛ فلقد مر على البشرية وقت اعتمدت فيه على السحر وحده ... ولعل في المثال الأسترالي ما يعزز استنتاجاتنا. ففي أستراليا، حيث نواجه أكثر المجتمعات الموثقة لدينا بدائية، نجد الجميع يلجأ إلى السحر، بينما نلاحظ غياب الدين بالمعنى الذي أوضحناه؛ أي التقرب إلى قوى عليا واسترضائها. فكل فرد هنا يتخيل أنه يستطيع التأثير في أقرانه أو في الطبيعة من خلال السحر التعاطفي، ولا يفكر أبدا باسترضاء إله ما بالصلوات أو القرابين. «ولكن إذا كان عصر السحر قد سبق في كل مكان عصر الدين، كما غامرنا بالحدس والافتراض، فإن من الطبيعي أن نتساءل عن الأسباب التي حدت بالجماعات الإنسانية، أو ببعضها، إلى نبذ السحر كعقيدة وممارسة، واللجوء إلى الدين. وفي الحقيقة، فإن الوضع الراهن لمعلوماتنا عن هذه المسألة لا يساعد على تقديم حل مرض وواف لها، ولكننا نستطيع المخاطرة بتقديم افتراض يتمتع بقدر لا بأس به من المعقولية، وبكل الحذر اللازم؛ فبعد أن اكتشف الإنسان متأخرا زيف وعقم السحر، حاول تكوين نظرية أكثر صدقا لتفسير الطبيعة وتسيير عملياتها لصالحه ... فإذا كان هذا العالم الواسع يسير في سبله غير آبه بالإنسان وطقوسه السحرية، فإن ذلك راجع ولا شك على أنه مسير من قبل كائنات غير منظورة، واعية مثل الإنسان ولكنها أكثر قدرة بما لا يقاس، وهي التي تقوم على تدبير شئون الظواهر التي اعتقد لفترة طويلة باعتمادها على طقوسه السحرية. وهكذا ابتدأ الإنسان تدريجيا بالتوجه إلى هذه الكائنات المبجلة معترفا بعجزه أمامها، واعتماده على قواها غير المنظورة من أجل حياته ومعاشه.»
1
نامعلوم صفحہ