انسان کا دین
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
اصناف
إضافة إلى فن الكهوف الذي يمثل قمة النهضة الجمالية لعصور ما قبل التاريخ طرا، فقد تمثل الحس الجمالي لذلك العصر أيضا بصناعة الحلى وقطع الزينة، مثل الأطواق المصنوعة من أسنان الغزال المزخرفة بالأشكال المحزوزة والأساور وشبكات الشعر المصنوعة من الخرز، والأقراط التي تتدلى منها أقراص من حجر أو طين مشوي أو من عاج محفور. وقد اكتشفت قطع الزينة هذه في مقابر بالباليوليت الأعلى؛ فقد كان موتى ذلك العصر من النساء والرجال يدفنون بكامل لباسهم وزينتهم التي كانت لهم في الحياة، ويظهر لنا من بقايا المقابر أن استخدام قطع الزينة كان شأنا مشتركا بين الجنسين، حتى إن الرجال فاقوا النساء أحيانا زينة وتبرجا. وكان الدفن يتم في قبور إفرادية وتحت أرضيات كهوف المعيشة، أو في مواقع المعسكرات المقامة في السهول المكشوفة. وتميزت هذه القبور عن سابقتها النياندرتالية، إضافة إلى الزينة المصطحبة، بأن أجساد الموتى كانت تطلى باللون الأحمر المصنوع من المغرة الحمراء، إشارة إلى القوة الحيوية الكامنة في الدم، وتمنيا وإيحاء ببعث قريب. وهذا ما يقودنا إلى متابعة استكشاف العالم الروحي لإنسان العصر الحجري القديم في آخر حلقاته التي استمرت حتى 12000 عام من عصرنا هذا، معتمدين على شواهد أوضح ووثائق أكثر غزارة ودلالة، وسنبتدئ برسوم الكهوف.
17
فن الكهوف
تشكل المنطقة الفرانكو-كانتربيرية (Franco-Canterbrian) ، الممتدة بين جنوب فرنسا وشمال إسبانيا، المنطقة التقليدية لكهوف الرسوم الجدارية؛ فهي أغزر المناطق بهذه الكهوف، كما أن الرسوم تشكل مجموعة متجانسة في روحها وأسلوبها العام، إضافة إلى قدمها واحتوائها على أعرق نماذج فنون الإنسان العاقل. وقد تم حتى الآن الكشف عن مائة كهف أو يزيد، سواء في المنطقة ذاتها أم في امتداداتها داخل إسبانيا وفرنسا وجنوب إيطاليا. إن أول ما يلفت النظر في الكهوف الكانتربيرية هو تشابه تكوينها الطبيعي وهيئاتها الداخلية، وطريقة توزيع الرسوم في ردهاتها وأروقتها؛ فهذه الكهوف جميعها يمتد إلى أعماق موغلة في باطن الأرض، قد تصل إلى الميل في بعض الأحيان أو تزيد. أما الأماكن التي اختيرت كمساحات للرسم فبعيدة عن المداخل، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر ممرات طويلة مظلمة ومتعرجة، تعترضها وهدات خطرة، وقد تضيق الممرات في بعض أقسامها إلى درجة لا يمكن معها متابعة التقدم فيها إلا حبوا أو زحفا. وعندما تنفتح هذه الممرات الخطرة أخيرا على القاعة الرئيسية، وتظهر الصور بكل جلالها على أضواء مصابيح اليد الكهربائية، أو فيما مضى على ضوء المصباح الزيتي المتراقص، يكون المسافر إلى هذه البقع النائية الغامضة، قد غادر الجو العلوي بواقعيته وإيقاعه الزمني، وولج إلى بؤرة مكان سحري ينتمي إلى مستوى آخر للوجود وزمن آخر. فما الذي تنطوي عليه هذه المقامات السفلى؟
في كهف لاسكو المتعدد الردهات والقاعات، والذي يدعوه البعض بقية سستين العصر الباليوليتي، تيمنا بقبة سستين الفاتيكان التي نفذ صورها مايكل أنجلو، تمتلئ الجدران بأشكال لا حصر لها من الثيران والبيسون والخيول البرية والوعول. ومثله أيضا كهف الإخوة الثلاثة وغيرهما؛ مئات من صور الحيوانات المفردة تتوضع بعضها قرب بعض، أو يتعدى حيز بعضها على الحيز المجاور، فتتداخل حدود الأشكال وتتراكب. في هذه المساحات المزدحمة بالصور، يصعب على الفاحص تبين مشهد أو تكوين يجمع بين حيوانين أو أكثر، فكل صورة لحيوان منفذة في معزل عن الصورة الأخرى وفي تجاهل تام لوجودها القريب. وقد قام القس آبي برويل
A.H. Breuil ، وهو أهم دارس لرسوم الكهوف الكانتربيرية، باكتشاف المستويات الزمنية المتتابعة التي نفذت فيها رسوم الكهوف، والتي تبدو لأول وهلة وكأنها رسمت عبر فترة زمنية واحدة. وقد وجد برويل أن أقدم الصور مرسوم باللون الأسود، يليها زمنيا اللون الأحمر؛ فالرسوم من الألوان الثلاثة، وهي الأحمر والأسود والأصفر. كما لاحظ أن بعض الصور قد خضع للترميم والتجديد، على مدى عشرات القرون المتوالية التي بقيت خلالها هذه الكهوف مهوى أفئدة إنسان الباليوليت الأعلى. أما عن الأشكال المتداخلة أو المتراكبة، فيرى بعض الدارسين أن أجزاء من المساحات الأقدم قد طليت من قبل الفنانين في الحقبة الأحدث بأرضية لونية قابلة للتأكسد، ورسمت فوق الأرضية الجديدة أشكال أخرى، وعندما زالت الأرضية بفعل التأكسد ظهرت المستويات الأسبق إلى جانب المستويات الأحدث.
18
انقسم الدارسون الأوائل لرسوم الكهوف إلى فريقين؛ فريق يرى بأن هذا الفن قد أنجز لغايات فنية جمالية بحتة، وفريق آخر يرى فيه سعيا لغايات نفعية لا جمالية، وأن الرسوم الجدارية ليست سوى أدوات سحرية استخدمت في طقوس تستهدف السيطرة على الطرائد والإيقاع بها، وذلك استنادا إلى مبدأ السحر التعاطفي، حيث الشبيه ينتج الشبيه، وحيث السيطرة الرمزية على صورة الحيوان تؤدي إلى السيطرة الفعلية عليه في حقول الصيد. وقد تراجع الاتجاه القائل بالفن لأجل الفن بسرعة أمام الاتجاه القائل بالسحر، والذي تحول إلى مدرسة رسخت أقدامها واستمالت إليها جمهرة الباحثين. ولعل مما ساعد أهل المدرسة السحرية على تطوير تفسيراتهم والسير بها إلى نتائجها القصوى، ذلك الفيض من المعلومات التي قدمتها الإثنولوجيا عن عادات السحر التعاطفي الشائعة بين المجتمعات البدائية المعاصرة، وخصوصا الممارسات المتعلقة برسم الحيوان الجريح على الأرض قبل الانطلاق لصيده، فعقدوا المقارنات بينها وبين قيام فنان الكهوف برسم حيوانات جريحة تخترقها السهام، أو تسيل الدماء من جروحها المفتوحة، ورسمه أيضا لإناث الحيوانات في حالة الحمل، أو تصويره لأوضاع المعاشرة الجنسية. والنتيجة التي توصلوا إليها هي أن رسوم الكهوف طرا ليست إلا تقنيات سحرية تعتمد المبدأ التعاطفي؛ فالحيوان الجريح على جدار الكهف، إنما يمارس تأثيرا على حيوان البرية عبر وسط تعاطفي يربطه به، وكذلك الفرس الحامل والثيران التي تشب على البقرات، فإنها توحي للقطعان الطليقة بالتكاثر.
19
لقد ساعدت الدراسات المبكرة التي نشرها آبي برويل، وهو أول دارس جدي لرسوم الكهوف وأشهر الاختصاصيين فيها، على الترويج لأفكار المدرسة السحرية منذ عام 1902م، عندما انكب منذ الثانية والعشرين من عمره على دراسة واستنساخ المئات من رسوم الكهوف، ووضع فيها مؤلفا مشهورا تحت عنوان «أربعمائة قرن من فن الكهوف».
نامعلوم صفحہ