انسان کا دین
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
اصناف
ولكن الشيء المهم الذي برهنا عليه ، هو أن الآلهة المشخصة لم تحل قط محل الألوهة غير المشخصة، بل بقيت بوابة الخيال إليها، ونقطة ارتكاز يستند إليها في صعوده التدريجي من عالم الملموسات إلى الفراغ المطلق اللانهائي.
وقد علمتنا الهندوسية بشكل خاص كيف ينتقل الوعي بالمطلق عبر درجات متتالية للتشخيص، وصولا إلى تشخص المطلق نفسه، وكيف أن الصورة المشخصة للمطلق ما تلبث أن تذوب وتتلاشى بعد أن نستند إليها للوصول إلى القاع الكلي للوجود. ورأينا كيف أن التشخيص الهندوسي (سواء كان تشخيصا ماديا يرسم صورة مرئية للإله من حجر أو خشب، أم تشخيصا ذهنيا بتصور الإله في هيئة معينة، ويعزو إليه أخلاقا وخصائص وسيرة حياة وعلائق واضحة، وإرادة ومقاصد محددة في عالم البشر)، لا يقوم إلا كحالة وسيطة في علاقة الإنسان بالمستوى القدسي، ولا يقود بالنتيجة إلا إليه. يقول واحد من حكماء التانترية في العصر الحديث، وهو راما كريشنا، حول عبادة الإلهة مايا- شاكتي ما يلي: «عندما أفكر بالكائن الأعلى في حالة السكون واللافعل، حيث لا خلق ولا حفظ ولا دمار، فإنني أدعوه براهمان؛ الإله المنزه. وعندما أفكر به في حالة الفعل والخلق والحفظ فالدمار، أدعوه مايا أو شاكتي؛ الإله المشخص. غير أن التمييز بين هذين الحالين لا يعني اختلافا؛ ذلك أن المنزه والمشخص هما واحد، تماما كما هو حال الحليب وبياضه، والماسة وبريقها، والحية وتلويها؛ حيث لا يمكن فصل أحد هذين الوجهين عن الآخر أو تصورهما في حال استقلالهما. إن الأم الإلهية كالي (= مايا، شاكتي) وبراهمان هما واحد. إن كالي ليست سوى ذاك الذي تدعونه برهمان. كالي هي الطاقة البدئية، وأن تقبل كالي يعني أن تقبل براهمان؛ لأن براهمان وقوته متطابقان.»
14
وهذا يشبه قول اللاهوت المسيحي بأن الآب والابن هما واحد؛ فالآب هو المطلق السرمدي الذي لا يتصل بالكون المخلوق إلا من خلال قوته التي يمثلها الابن؛ فالابن هو الكلمة الذي كان عند الله منذ الأزل، والذي به تم خلق العالم، وهو الذي رسم في البدء دائرة على وجه الغمر، فحدد معالم الكون وأخرجه من لجة العماء إلى طور النظام، وهو الذي تجسد في يسوع ليشفع للبشر وينقذهم من عبء الخطيئة إلى رحاب السماء، فكان الشفيع والوسيط بين الله والناس. وليس التثليث المسيحي في الواقع إلا صياغة لاهوتية موفقة للجميع بين التنزيه والتشخيص؛ الواحد هو المطلق المنزه، والثلاثة هم المطلق المشخص. وعندما نقول ثلاثة في واحد، فإننا ننطلق من أطراف الدائرة نحو مركزها. وعندما نقول واحد في ثلاثة، فإننا نصدر عن النقطة المتلاشية في المركز نحو محيطها.
هذه الأفكار الابتدائية التي سقتها أعلاه حول اللاهوت المسيحي، يمكن تطويرها وتعميقها لتشمل الأفكار اللاهوتية منذ القديس أوغسطين وتوما الأكويني، وصولا إلى المعلم إيكهارت في العصور الحديثة. كما يمكن الشروع في جهد معادل من أجل استقصاء لاهوت ما تبقى لدينا من الأديان الكبرى الموثقة. ولكن هذا الكتاب، كما أوضحت سابقا، ليس كتابا في تاريخ الدين، بل هو اكتناه للظاهرة الدينية عند الإنسان من خلال دراسة معمقة لأهم نماذجها التاريخية، التي نعتقد بتمثيلها للبقية غير المدروسة. من هنا فإن المجال لا يتسع لعرض واستقصاء مزيد من الأمثلة، عدا واحدا.
ستكون محطتنا الأخيرة عند التصوف الإسلامي؛ فالفكر الصوفي في الإسلام هو الذي وضع مسألة التشخيص والتجريد، أو باستخدام المصطلح الإسلامي: التشبيه والتنزيه، في إطارها الصحيح ضمن المعتقد الإسلامي. إن الدرس الأخير الذي يعلمنا إياه المعتقد الصوفي، هو أن تصور الله في صورة ما، وصنع منحوتات له ورسوم، ليس الفيصل في التفريق بين التنزيه والتشبيه؛ لأن الصورة الفكرية لله قد ترفع في بعض الأحيان وثنا ذهنيا يفوق في صلابته أي وثن مصنوع من الجلمود. أما الصورة الحجرية فربما فتحت آفاق الذهن والروح معا إلى ما وراء الحجر الذي قد يشف عن أكثر المعتقدات تنزيها.
الفصل الخامس
إله المتصوفة
ابتدأ التصوف كسلوك زهدي في الثقافة الإسلامية، منذ البدايات الأولى للاحتكاك مع الثقافة المسيحية في مصر وبلاد الشام، ومع الثقافات المشرقية الأخرى فيما بين فارس وحدود الصين. أما المعتقد الصوفي، فرغم أن ملامحه الأولى قد تشكلت على يد متصوفة من أمثال الجنيد منذ أواخر القرن الثالث الهجري، إلا أن صياغته النظرية المتماسكة لم تكتمل حتى القرن السادس الهجري، وذلك على يد الغزالي ومحيي الدين بن عربي، ومن بعدهما عبد الكريم الجيلي في القرن السابع. ولسوف أعتمد في عرضي هذا لمعتقد المتصوفة على الجيلي وابن عربي دون سواهما؛ لأني أرى في أعمالهما خلاصة للتجربة الصوفية الإسلامية بكل أبعادها الروحية والفكرية.
يربط الفكر الصوفي بين مفهومين للألوهة ساريين في كتاب الله وسنة رسوله؛ المفهوم الأول يأتي من آيات مثل:
نامعلوم صفحہ