وكتب أبي مقاله الأول، وكان أبي يوقع مقالاته عادة بتوقيع الغزالي أباظة، ولكنه في هذه المرة اختار أن تكون مقالاته ضد العقاد بعنوان «ثروت»، وكان عمري في ذلك الحين سنة واحدة؛ فقد كانت هذه المساجلة في عام 1928م، وظهرت المقالة الأولى، ثم الثانية، فإذا بالعقاد يتوقف عن مهاجمة محمد محمود، ويلجأ إلى المحكمة رافعا الدعوى على الدكتور هيكل رئيس تحرير السياسة التي نشرت المقالتين، وعلى «ثروت» صاحب التوقيع، وضحك الدكتور هيكل من فكرة تقديمي إلى المحكمة، وقال لأبي مازحا: «عليك أن تحمل ثروت على كتفك، وتأتي به إلى المحكمة.»
وكتب أبي بعد رفع الدعوى مقالة ثالثة ينهي بها هجومه على العقاد، وأذكر أنني ذهبت إلى لقاء أستاذنا العملاق عباس العقاد، وأنا في مطالع الشباب حوالي عام 45، وقدمني إليه تلميذه العوضي الوكيل، فما إن سمع اسمي، وعرف من أنا حتى ضحك ضحكته العريضة النقية، وقال وهو يرحب بي: «بيني وبينك ثأر قديم يا عم ثروت.»
ثم قامت بيني وبينه بعد ذلك تلك العلاقة التي نعم بها كل تلامذته، وإن كان صغر سني لم يتح لي أكثر من الذهاب إليه في ندوة الجمعة، ولكنه في كل مرة كان يلقاني فيها كان يرحب بي ترحيبا شديدا، وقد صار بعد ذلك من أحب الناس إلى أبي، كما أصبح أبي من أحب الناس إليه، حتى لقد نظم في مدح أبي عدة قصائد يقول في إحداها:
نكرمه نكرمه
وما نرويه نعلمه
ولم ننشئ له فضلا
ولكنا نترجمه
فتى ترضى سجاياه
ويصدق قلبه فمه
وللفنان في ناديه
نامعلوم صفحہ