والعجيب أن أستاذنا العقاد هو أول من نوه بي، وكان ذلك حين جمع الأستاذان أحمد عبد المجيد الغزالي والعوضي الوكيل مقالات أبي وخطبه في كتاب أسمياه وميض الأدب بين غيوم السياسة، وظهر الكتاب في عام 1948م، وكنت في هذا الحين قد بدأت أكتب مقالاتي في مجلتي الرسالة والثقافة، ولكنني طبعا كنت ما أزال صغيرا لا يكاد يعرفني إلا الأدباء المتخصصون. وقد اتجه الشاعران الأستاذان الغزالي والعوضي إلى أستاذهما وأستاذنا العقاد، وطلبا إليه أن يكتب مقدمة للكتاب الذي جمعاه من أعمال أبي الأدبية، وقبل رحمه الله ذلك، ولكن المفاجأة الكبرى بالنسبة لي هي قوله في المقدمة حين تكلم عن صلة الأباظية بالأدب.
وناهيك بما نقرؤه لفكري وعزيز وثروت من رصين الشعر وطريف المنثور.
وقد اعتبرت ذكر اسمي في هذا المكان، وما زلت أعتبره من أعظم الأوسمة التي نلتها حتى اليوم؛ فقد كنت في المطامع الأولى من شبابي، وأن يقرن اسمي بالعملاقين الأباظيين عمي فكري باشا، وعمي وحماي فيما بعد عزيز باشا أمر اعتبرته مفخرة كبرى، ولا زلت أعتبره كذلك.
وما دمنا نتكلم عن عملاق الأدب العربي التاريخي أستاذنا العقاد فينبغي أن أذكر واقعة حدثت بيني وبينه في عام 1954م وكانت تلك السنة سنة حاسمة في تاريخ ثورة يوليو؛ فقد سمحت السلطات في مارس من هذا العالم بحرية الصحافة، وأتاحت لكل صاحب رأي أن يكتب رأيه، وطلبت أن يقول ما يشاء لمن يشاء، وكان أهم سؤال طلبت الثورة الإجابة عليه إن كان الأفضل لمصر أن تكون الجمهورية فيها برلمانية أم رئاسية.
وانبرى العقاد بمقال كتبه في الأخبار يطالب بأن تكون الجمهورية برلمانية، ولكن المقال كان غاية في العنف، رافضا كل ألوان الدكتاتورية أو الحكم العسكري.
وفي نفس اليوم الذي ظهر فيه المقال، كان لي عمل في الإذاعة القديمة في شارع الشريفين، وفوجئت وأنا أدلف من الباب الرئيسي للإذاعة بأستاذنا العقاد يهبط السلم وحوله جماعة من محبيه ومريديه، ومن موظفي الإذاعة الذين حرصوا أن يكونوا في توديع العملاق العظيم.
وقال لي أستاذنا: «لقد قرأت مقالاتك.»
وكنت كتبت في هذه الفترة مقالات بنفس العنف والرفض للديكتاتورية فقلت له : «هذا شرف لها ولي.»
فقال: «هل قرأت مقالي اليوم؟»
فقلت: «طبعا مثلما أقرأ كل حرف يخطه قلمك.» - «أرأيت لقد قلت لهم ...»
نامعلوم صفحہ