وفي جامعات أخرى تكرر نفس الشيء وأراد رئيس الجامعة أن يقدمني للجمهور باعتباري رئيس اللجنة، وأن يختم المناقشة حتى يكون هو الأول والأخير.
وفى جامعة أخرى كان الذي قدمني لا رئيس القسم بل عضو أقل مني في الدرجة العلمية، وكان يتكلم باعتباره رئيسا على الرئيس. فحزنت، وهل من المناسب تقديم أستاذ مساعد بالقسم أشرف على رسالة الطالب أن يقوم بتقديم من هو أكبر منه سنا وأعلى درجة؟
يبدو أن الرئاسة ما زالت مطلبا في ثقافتنا، وأن الوصول إليها يكون بأي ثمن؛ مما جعلني أتذكر إزاحة نجيب عن السلطة وهو أقدم ضباط الجيش، ورئيس جماعة الضباط الأحرار لصالح شاب أقل منه سنا ورتبة!
وفى إحدى جلسات مناقشة إحدى رسائل الدكتوراه لم يستطع رئيس إداري ولو كان رئيس الجامعة نفسها أن يرأس الجلسة. وكانت طالبة لي قد وصلت إلى منصب إداري بالكلية. وكانت تحمل خطابا من لجنة الدراسات العليا يحتوي على أوراق إدارية مثل أسماء أعضاء لجنة المناقشة، واسم الطالب، وموضوع المناقشة، وتحديد اسم رئيس اللجنة وأسماء الأعضاء. وكان الظرف باسمي باعتباري رئيس اللجنة، لم تسلمني الطالبة الظرف بل سلمته لأحد أعضاء اللجنة الذي كان يعمل بمنصب إداري رفيع، وبعد انتهاء المناقشة طلب مني هذا العضو أن يعلن هو نتيجة المناقشة للحاضرين ثم انتزع المظروف والأوراق دون أن ينتظر إجابتي لأنه عرف أن الإجابة ستكون بالرفض. تعجبت من صاحب المقام الرفيع والذي لا يهمه سوى أن يزداد رفعة على حساب أي شيء، حتى لو كان بإعلان النتيجة ليحظى بتصفيق الجمهور له. كنت قد احترت في الأمر، هل أوافق على ما حدث أم لا؟ ولأن إعلان النتيجة يكون من اختصاص رئيس اللجنة؛ تركته يفعل ما يشاء؛ فلن أصارع في قضايا غير علمية أراها لا تستحق. فليأخذ التصفيق كما يشاء، ورنت في أذني الآية:
بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى .
وكنت قد قدمت استقالتي من القسم والكلية والجامعة لرفضهم دفع تكاليف دار الضيافة العامة في المؤتمر السنوي الذي كان يقيمه القسم بالاشتراك مع الجمعية الفلسفية المصرية، مع أن الجامعة لن تدفع شيئا. والطلب كان سيتم دفعه من عائد الوديعة التي وضعتها باسم الكلية للصرف منها على النشاط العلمي، لم يتم قبول الاستقالة ورفضها صاحب المقام الرفيع.
وعندما كنت رئيسا للقسم، أتت سكرتيرة جديدة. وكانت ذات قامة طويلة، وممتلئة الجسم، ترتدي حذاء ذا كعب عال، ولكنها جميلة من تقاطيع وجهها، وكانت العادة إذا كانت لدي بعض المكافآت عند صراف الكلية أن أرسل سكرتيرة القسم لتتسلمها نيابة عني وهي شخصية رسمية في القسم، والتعامل مع الصراف جزء من وظائفها. فأرسلتها إلى الصراف لتسلم مكافأة الامتحانات ورئاسة القسم الخاصة بي ونيابة عني، وكان مقدارها خمسة آلاف جنيه. ولما كنت لا أحضر إلى الكلية كل يوم وحسب روايتها وضعت المبلغ في درج المكتب الخاص بها وأغلقته بالمفتاح وخرجت وأغلقت باب غرفتها والمضاف لحجرة السكرتارية وكان بالألمونيوم والزجاج. ولما أتيت في اليوم التالي وجدتها تبكي وتقول إن لصا كسر الباب، وكسر درج المكتب، وسرق المبلغ، والكلية تحقق معها. وكانت عروسا مقدمة على الزواج وتجهز سكنها لهذا الغرض. وانتهى تحقيق الكلية بعد رفع بصماتها أنها هي التي كسرت الباب وكسرت قفل الدرج وأخذت المبلغ. فطلبوا مني أن أكتب طلبا للعميد لكي يرسلها إلى النيابة العامة لتأخذ جزاءها بعد المحاكمة، فلم أفعل؛ فجزاء السرقة السجن وهي «على وش جواز». واكتفت الكلية بإخراجها من القسم وتحويلها إلى وظيفة إدارية بعيدة عن علاقة الأساتذة بالصراف.
الفصل الحادي عشر
ضرورات الجسد
يظن الفلاسفة المثاليون أن الإنسان هو مجرد فكر «أنا أفكر فأنا إذن موجود.» ويظن الفلاسفة المسلمون أن النفس التي تفكر مستقلة عن البدن، وأن الحب الروحي أعمق من الحب الجسدي.
نامعلوم صفحہ