تركت «الإخوان» أولا ثم «التجمع» ثانيا. وبدأت أفكر في «اليسار الإسلامي» أي تحقيق أهداف اليسار في التقدم والتنمية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية عن طريق الإسلام باعتباره ثقافة شعبية وليس عن طريق الأيديولوجيات العلمانية التي لا يفهمها الشعب ولا تتعامل معها إلا النخبة المثقفة.
وكنت قد قرأت وأنا أستاذ بالولايات المتحدة الأمريكية عن «لاهوت الأرض» و«لاهوت التنمية» و«لاهوت التحرر» و«لاهوت الشعب» وأنا في مرحلة الإعداد لعلم الكلام الجديد ونقد نظرية الذات والصفات والأفعال الأشعرية، ومتجاوزا الأصول الخمسة عند المعتزلة والإمامية عند الشيعة.
فأصدرت مجلة «اليسار الإسلامي» على نفقتي الخاصة، صدر منها العدد الأول قبل أن تصادر، ثم تعبت من العمل الشعبي، فخصصت وقتي لمشروعي العلمي «التراث والتجديد». ومع ذلك انتشرت فكرة «اليسار الإسلامي» في تونس والمغرب غربا، وامتدت إلى ماليزيا وإندونيسيا شرقا، وما زال هو القادر على جمع الإسلاميين والعلمانيين والماركسيين في عمل سياسي واحد كما هو الحال عند الإسلاميين التقدميين في تونس وحزب النهضة والحكومة الحالية بعد ثورات الربيع العربي 2011م التي تجمع بين اليمين واليسار .
وظللت أنشط سياسيا ضد الانقلاب على الناصرية بعد وفاة الزعيم. وشاركت في انتفاضة يناير 1977م التي حملت الجماهير الشعبية فيها صور عبد الناصر من الإسكندرية إلى أسوان مطالبين بالخبز بعد رفع الحكومة الأسعار، بالرغم من تسمية رئيس الدولة لها «انتفاضة حرامية»؛ لأنها فتحت المجمعات الاستهلاكية، ووزعت ما فيها على الفقراء، وهدمت كل الإعلانات عن الفنادق الكبرى والعطور الغالية والملابس الجاهزة واحتياجات الطبقة الغنية، وأبقت على إعلانات المستشفيات والمدارس والنوادي الشعبية.
واستمرت كتاباتي عن الدين والثورة، الدين وسيلة، والثورة غاية. وجمعت في ثمانية أجزاء بعنوان «الدين والثورة في مصر 1952-1981». وكتبت عن «لاهوت التحرير» عند كاميلو توريز في أمريكا اللاتينية. وأصدرت كتابا عن الأفغاني لنفس السبب.
وبعد نشري كتاب «الحكومة الإسلامية» للخميني صنفتني الحركة الإسلامية بأنني شيوعي متخف، وصنفتني الحركة التقدمية بأنني إسلامي متخف، وصنفتني أجهزة الأمن بأنني إخواني شيوعي.
وعارضت اتفاقية كامب ديفيد وزيارة الرئيس لإسرائيل، عارضت اتفاقية السلام قبل أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وكان نصيبي الفصل من الجامعة بعد قرارات سبتمبر الشهيرة 1981م، وتحويلي إلى وزارة الشئون الاجتماعية كموظف بها، ثم جلست في المنزل مدة عام كتبت فيه «مقدمة في علم الاستغراب». وما زلت أقوم بدوري في المعارضة السياسية بالقلم دون استعمال أي وسيلة من وسائل العنف، ودون المعارضة السياسية في الإعلام تجنبا للإثارة الصحفية.
وكنت أناقش رؤساء الدولة في المعرض الدولي للكتاب بالقاهرة، قبل أن ينعزلوا خوفا من دور المثقفين في المعارضة السياسية العلنية. وكانوا يحضرون مع مثقفي السلطان ويجلسون في حجرة مغلقة ليتم تصوير الجلسة إعلاميا كدليل على حركة الفكر والانفتاح السياسي والثقافي بين الرئيس وجمهور المثقفين.
كانت الدولة قد وضعت حول منزلي حراسة ليل نهار بعد أن اكتشفت إصرار الجماعات الإسلامية المتشددة على اغتيالي لأنني كافر في نظرهم، وضبطوا ثلاثة أعضاء منها حول منزلي يتفقدون المكان والزمان المناسب لتنفيذ خططهم ضدي، وكتبت مقالا ضد التوريث معتمدا على تحليل لفظ «إرث» في القرآن الكريم، وأنه لا يفيد أي ميراث سياسي، بل فقط ميراث النبوة؛ فرفعت الحراسة عني عقابا لي بسبب كتابتي لهذا المقال، وقد كان ابن الرئيس يستعد لوراثة أبيه في حكم مصر.
وبعد ثورة الربيع العربي في مصر عام 2011م تم افتتاح المركز العام للإخوان المسلمين فوق هضبة المقطم، وحضر كثير من الزعماء السياسيين مثل عمرو موسى وغيرهم، وفوجئت بأغاني وأناشيد الفترة الناصرية تذاع على الهواء بمكبرات الصوت مثل نشيد «وطني الأكبر»، و«الله أكبر». ففرحت بأن الوئام قد عاد بين أقوى تنظيم شعبي إسلامي في مصر وبين السلطة الثورية الجديدة، وكان الشعار على واجهة المبنى «المصحف والسيفان المتقاطعان» فحزنت لأن هذا الشعار لم يتغير منذ تأسيس الجماعة عام 1948م. وطالما اقترحت أن يكون الشعار «كتابا وقلمين»، الكتاب أي العلم والقلمان أي تعدد الآراء. وحزنت لأن الإخوان أبعدوا المرشح الإخواني المستقل عبد المنعم أبو الفتوح بعد أن رفعوا شعار «مشاركة لا مغالبة»، ثم فرحت أنهم أصبحوا جزءا من الحركة الوطنية. ومع ذلك سار الإخوان ورجعوا لوضعهم الأول وهو الحكم الانفرادي بعد نجاح مرشحهم لرئاسة الجمهورية.
نامعلوم صفحہ