إن ذا القديم كان حديثا ... وسيبقى هذا الحديث قديما فإن نتائج الأفكار، لا تقف عند حد. وتصرفات العقول، لا نهاية لها. لأن العالم المعنوي، واسع، كالبحر الزاخر. والفيض الإلهي، ليس له انقطاع، ولا آخر. وغير محال، ولا مستبعد، أن يدخر الله لبعض المتأخرين، ما لم يعطه، لكثير من المتقدمين. فقول القائل: ما ترك الأول للآخر شيئا، خطأ. والقول الصحيح، هو: كم ترك الأول للآخر. ويقال: لا كلمة أضر بالعلم، من قولهم: ما ترك الأول للآخر شيئا، لأن هذه الكلمة ، تقطع الآمال عن زيادة العلم، على علم المتقدمين. ويقتصر الآخر، على ما قدمه الأول، وهو خطر عظيم، وقول سقيم. فالأوائل، فازا باستخراج الأصول، وتمهيد القواعد، والأواخر، بالاستنباط من الأصول، وتشييد تلك القواعد، وزيادة البناء عليها. وإن تصانيف العلوم، كثيرة، لاختلاف أغراض المصنفين. وهي تنحصر، من جهة المقدار، في ثلاثة أصناف.
الأول: مختصرات، تجعل تذكرة، لرؤوس المسائل. ينتفع بها المنتهي، للاستحضار. وربما أفادت بعض المبتدئين الأذكياء. والثاني: مبسوطات، تقابل المختصرات. وهي ينتفع بها للطالعة. والثالث: متوسطات، ونفعها عام.
والتصنيف، على سبعة أقسام. لا يصنف عالم عاقل، إلا فيها. وهي: إما شيء لم يسبق إليه، فيخترعه. أون شيء ناقص، فيتمه. أون شيء مغلق، يشرحه ويبينه. أو شيء طويل، يختصره دون أن ينقص شيئا من معانية. أو شيء متفرق، يجمعه. أو شيء مختلط، يرتبه. أو شيء أخطأ فيه مؤلفة، فيصلحه.
ويشترط في التصنيف، إتمام الغرض، الذي وضع الكتاب لأجله، من غير زيادة ولا نقص. وعدم استعمال اللفظ الغريب، إلا في الرموز والألغاز. وينبغي أن يكون التصنيف، مسوقا، على حسب إدراك أهل الزمن وعلى قدر ما تصل إليه عقولهم. فإذا كانت الخواطر ثاقبة، قام الاختصار لها، مقام الإكثار. واستغنت بالتلويح، عن التصريح. وإلا تكن الخواطر كذلك، فلا بد لها، من زيادة الكشف والبيان.
وقد جرت عادة المصنفين: أن يذكروا في صدور كتبهم، أشياء سموها الرؤوس. منها: الغرض، والباعث الذي وقع التصنيف لأجله. ومنها، المنفعة، ليتشوق الطالب، الناظر في التأليف، إليها. ومنها: العنوان، الدال على ما يأتي تفصيله. ومنها، تسمية المؤلف نفسه، ليعلم قدره في العلم... وغير هذا.
صفحہ 26