فضل الكتابة اعلموا: أنه تقرر: أن الإنسان مدني بالطبع إذ الإنسان الواحد لو لم يكن في الوجود، إلا هو، وإلا لأمور الموجودة في الطبيعة، لهلك الإنسان، أو ساءت معيشته، فالإنسان محتاج إلى أمور، زائدة عما في الطبيعة، مثل الغذاء المصنوع فإن الأغذية، لا تلائم الإنسان، والملابس، لا تصلح له، إلا إذا صارت صناعية، فلذلك، يحتاج الإنسان إلى جملة من الصناعات، حتى تسهل أسباب معيشته. والإنسان الواحد لا يمكنه القيام بالصناعات كلها. فلا بد من المشاركة والاجتماع حتى يخبز هذا لذاك، وينسج ذاك لهذا. وحينئذ، فيحتاج الإنسان، إلى أن تكون له قدرة، على أن يعرف الآخر. الذي هو شريكه، ما في نفسه، بعلامة وضعية، وهي إما إشارة، وإما لفظ، وإما كتابة، والإشارة، تتوقف على المشاهدة واللفظ، يتوقف على حضور المخاطب وسماعه، وأما الخط فلا يتوقف على شيء، فهو أشرفها، وهو خاصية النوع الإنساني فاللفظ، أشرف من الإشارة، والكتابة، أفضل من النطق، لأن الإشارة لا تصلح، إلا للشيء المرئي الحاضر، وهي عبارة عن تحريك الحدقة إلى جانب العين، فالإشارة نوع واحد من أو نوعان فلا تصلح لتعريف الأشياء المختلفة، وأيضا، إذا أشير إلى شيء، فلذلك الشيء، ذات، قامت بها صفات كثيرة، فلا يعرف بسبب تلك الإشارة أن المراد، تعريف الذات وحدها.
أو الصفة الفلانية، وأما اللفظ، فإنه راف بجميع ذلك لأن اللفظ، يتناول الموجود والمعدوم، ويتناول ما تصح الإشارة إليه وما لا تصح الإشارة إليه،يفهم المقصود منه، دون إبهام، والكتابة أشرف، وأنفع، من الإشارة واللفظ لأن القلم، وإن كان لا ينطق، فإنه يسمع أهل المشرق وأهل المغرب فما جمعت العلوم، ولا قيدت الحكمة، ولا ضبطت أخبار الأولين، ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة، إلا بالكتابة، ولولا الكتابة، ما استقام للناس دين ولا دنيا. فالكتابة عين العيون بها يبصر الشاهد الغائب وفي الكتابة، تعبير عن الضمير، بما لا ينطق به اللسان. ولذا قيل: القلم أحد اللسانين. بل الكتابة، أبلغ من اللسان، فإن الإنسان، بقدر على كتابة، ما لا يقدر أن يخاطب به غيره. ويبلغ المقصود، حيث لا يمكن الكلام مشافهة. ولهذا، نهى شرع الإسلام، عن تعليم النساء الكتابة، لأن المرأة، قد لا يمكنها لقاء من تهوى، فتكتب له. فتكون الكتابة، سببا للفتنة، ومن المعلوم، أن البيان، بيانان اثنان: بيان اللسان، وبيان البنان. ومن فضل بيان البنان، أن ما تثبته الأقلام، باق مع الأيام. وبيان اللسان، تدرسه الأعوام. وقوام الدين والدنيا، بشيئين: السيف والقلم، والسيف تحت القلم. ولله در من قال:
صفحہ 21