* تقديم
* بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن إمامنا وسيدنا وحبيبنا وشفعينا وأسوتنا محمدا عبده ورسوله ، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [آل عمران : 102].
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) [النساء : 1].
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) [الأحزاب : 70 71].
أما بعد :
فهذا «ذيل تاريخ مدينة السلام» لأبي عبد الله محمد بن سعيد ابن الدبيثي ، أقدمه لبغداد الحبيبة وساكنيها ووارديها ومحبيها والمجاهدين عن حماها ، ليكشف صفحة مضيئة من تاريخ هذه المدينة العريقة التي استعصت على الغزاة ، أو قامت بعد كبوة ، كما في هذا التاريخ الذي تناول عهد نهضة بني العباس في أيام الخليفة الهمام أسد بني العباس الناصر لدين الله ، ليكون نبراسا يضيء الدروب المظلمة ، ويذكر كل ذي بصيرة وغيرة وحمية بحق مدينة السلام بغداد عليه ، حققته وتعبت عليه حتى تجلى بما هو عليه من الهيئة العلمية الرائقة والصفة النافعة التي تمنيتها له وأنا بعيد عن مدينتي الحبيبة التي بها ولدت
صفحہ 5
وترعرعت وتعلمت ، فشببت واكتهلت وشخت ، وبها الأحباب الذين قضى بعضهم نحبه ، ومنهم من ينتظر ، هاجرت عنها ببعض أهلي وولدي بعد استيلاء العدو المخذول عليها ، لائذا بحمى بني هاشم في عمان البلقاء ، جزاهم الله خير الجزاء ووفقهم لكل مكرمة وخير ، مستذكرا أبياتا قالها الفقيه العالم عبد الوهاب ابن علي المالكي حين فارق بغداد ، وهي حبيبة على نفسه :
سلام على بغداد في كل موطن
وحق لها مني سلام مضاعف
مع أننا كنا بحمد الله ومنه قبل مصيبة استلاب الأوطان وتغلب العدوان في بلهنية من العيش وحال جميلة ، على ما كان فينا من خصاصة ؛ بسبب الحصار الذي أريد منه إهلاك الحرث والنسل ، فمعاناة الخصاصة أحمد ألف مرة من الارتماء عند ذوي الخساسة من الأعداء الظالمين وأعوانهم العملاء الخاسئين.
والتاريخ يشهد أبدا أن مدينة السلام بغداد سرعان ما تنهض بعد كبوتها ، ما زال أهلها النجب قد شغلوا بهذا الأمر خواطرهم وأفكارهم ، وجعلوه دأبهم ودينهم وديدنهم وهجيراهم ومطلبهم الذي لا يعوقه عنهم تقاذف الآمال ، فنسأل الله سبحانه أن ييسر أمرهم وينصرهم على عدوهم ، فعلامات الخلاص لامعة ، وأماراته ساطعة ، وآياته بعون الله صادعة ، وقد وعد الله عباده الصالحين ، ووعده الحق ، بالنصر المبين ، فقال تعالى : ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) [الحج : 40].
وتراث الأمة من أعظم جوانب إحياء مجدها خطرا وأبقاها على الأيام أثرا ، فهو وجدانها وتجربتها عبر التاريخ على أنحاء شتى من المعرفة الإنسانية ، في وقت نحن محاويج لمثل هذا ، فقد تداعت علينا الأمم الظالمة كما تداعى الأكلة على قصعتها ، فعقيدة الأمة وتراثها وتاريخها هو المحفز لانطلاق أبنائها نحو
صفحہ 6
استعادة أمجادهم وتطهير أوطانهم من دنس المحتلين الغزاة ، وتبوأ منزلتهم التي أرادها الله سبحانه مرتفعة شامخة ظاهرة على الدين كله ولو كره المشركون.
وقد رأيت من المفيد أن أقدم لهذا الكتاب بدراسة وجيزة أتناول فيها بعض ما هو لصيق بهذا الكتاب اقتضت طبيعتها أن تكون في بابين ، أولهما : أنظار في كتب الرجال والتراجم ، واختص ثانيهما : بابن الدبيثي وكتابه ذيل تاريخ مدينة السلام وطبيعة عملي فيه.
أما الباب الأول فكان في ثلاثة فصول ، تناول الفصل الأول منها ظهور كتب التراجم التي كانت نتيجة لظهور الإسناد بعد انتشار الفتن في المجتمع الإسلامي ، ودراسة أساليب عرض هذه الكتب وتنظيمها : على الطبقات ، والأنساب ، وحروف المعجم ، والوفيات ، والبلدان. ثم الانتقال إلى محتوياتها واختصاص بعضها بالصحابة ، أو الثقات ، أو الضعفاء ، أو الكتب التي جمعت الصنفين ، أو المدلسين ، أو المختلطين ، أو الكذابين الوضاعين ، أو كتب تناولت بالدراسة تراجم رجال كتب مخصوصة ، أو أخرى عنيت بالأنساب أو الكنى أو الألقاب ، أو المشتبه.
أما الفصل الثاني فاختص بدراسة تواريخ المدن والبلدان وأسباب ظهورها ، وأنواعها من حيث المحتوى ، والتركيز على الكتب المعنية بالرجال والتراجم ، ومحاولة دراسة أول كتاب وصل إلينا من هذا الصنف ، هو تاريخ واسط لبحشل.
وجعلت الفصل الثالث في استعراض لتواريخ بغداد التراجمية ، حاولت فيه أن أقف على أول من صنف فيها على وجه الخصوص ، وسبب تأخر التصنيف في رجالاتها إلى مدة متأخرة مع أنها حاضرة الإسلام منذ ظهور الحركة التأليفية عند المسلمين. ثم بينت أهمية كتاب «تاريخ مدينة السلام» للخطيب باعتباره أول كتاب تراجمي لهذه المدينة يصل إلينا ، وتناولت بعد ذلك الكتب المؤلفة فيها على سبيل الاستقصاء فكانت حصيلة طيبة نافعة إن شاء الله تعالى.
صفحہ 7
وأما الباب الثاني فكان في أربعة فصول ، تناول الأول منها سيرة ابن الدبيثي مؤلف هذا الكتاب ، افتتحته بمصادر سيرته ، واتبعتها بسيرة وجيزة لحياته ، وأنهيته باقتباسات من آراء العلماء فيه أبانت عن غزارة فضله وعلو منزلته العلمية.
وتناول الفصل الثاني تاريخ ابن الدبيثي ، بحثنا فيه عنوان الكتاب ، والنهج الذي انتهجه المؤلف في عرض مادته ، ونطاقه الزماني والمكاني ، وطبيعة التراجم التي تناولها ، وخطته في ترتيب محتويات كل ترجمة ، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى بيان موارده وما استفاده من السماع والمشافهة والمساءلة ، والإجازات ، والاتصالات والمكاتبات العلمية مع أقرانه في تكوين المادة العلمية التي كان جلها مما عاصره. ثم اعتماده جملة كبيرة من معجمات الشيوخ والمشيخات التي وقف عليها بخطوط أصحابها ، فضلا عن بعض المؤلفات التي سبقته وتناولت تراجم البغداديين أو الواردين إلى بغداد مما يقع ضمن نطاقه الزماني. وختمت الفصل في بيان أهمية هذا التاريخ ، وأثره العظيم في المؤلفات اللاحقة.
أما الفصل الثالث فاختص بدراسة طبيعة الأحاديث في تاريخ ابن الدبيثي ، ومنهجه في إيرادها. وبينت بعض الفوائد المستفادة من دراستي لهذه الأحاديث ، رجوت أن تكون نافعة للدراسات الحديثية.
وتناول الفصل الرابع وصف النسخ الخطية المعتمدة ، والنهج الذي انتهجته في تحقيق هذا الكتاب ، فالحمد لله على مننه وآلائه ، هو الموفق للصواب إليه المرجع والمآب.
* * *
صفحہ 8
* الباب الأول
* أنظار في كتب الرجال والتراجم
صفحہ 9
* الفصل الأول
* ظهور كتب الرجال والتراجم
تعرض الحديث النبوي الشريف وهو المصدر الثاني من مصادر التشريع إلى حركة واسعة للتلاعب فيه والدس عليه منذ فترة مبكرة ، فانتشر الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم في ذلك ذوو المآرب السياسية والمذهبية والعقائدية ، ومن لم يتشبع بالدين الجديد لأسباب مختلفة. وأخذ المجتمع يبتعد شيئا فشيئا عن تلك الحياة الطاهرة التي عاشها الصحابة رضوان الله عليهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وساهم بعض القصاص (الوعاظ) وجهلة من الصالحين في الإساءة إلى الحديث النبوي الشريف حينما وضعوا أو حدثوا بأحاديث كذب ظنا منهم أنهم يكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عليه ، ترغيبا في الخير والدين ، وترهيبا من العصيان والشر ، ولبئس ما كانوا يفعلون.
ونتيجة لكل ذلك قام العلماء المسلمون بجهود هائلة في محاولة لتنقية هذه الأحاديث وتبيان الصحيح منها وعزل السقيم ، فكان من نتيجة ذلك استعمال «الإسناد» الذي أدى بدوره إلى ظهور علم الرجال ، والمقصود بهم رجال أهل الحديث ، وهو العلم الذي أسهم إسهاما فاعلا في ظهور «علم التراجم» الذي شمل المحدثين وغيرهم من الخلفاء ، والملوك ، والسلاطين ، والأمراء ، والوزراء ، والساسة ، والنقباء ، والقضاة ، والفقهاء ، والعدول ، والمحامين ، والقراء ، والنحويين ، واللغويين ، والأدباء ، والشعراء ، والأطباء ، والصيادلة ، والصيارفة ، والتجار ، والزهاد ، والصوفية ، وغيرهم من المشهورين والأعلام ، فكتب الرجال يراد بها كتب رجال الحديث ، أما كتب التراجم فهي أعم وأشمل.
صفحہ 11
** ظهور الإسناد :
والإسناد هو سلسلة الرواة الموصلة إلى متن الحديث. وقد اختلف الكتاب والباحثون في الوقت الذي ظهر فيه استعمال الإسناد ، إذ ليس هناك من تاريخ محدد له ، وقال محمد بن سيرين «33 110 ه» : «لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم» (1).
وإنما وقع الخلف في تفسير «الفتنة» التي قصدها ابن سيرين في قوله هذا ، فذهب بعض الباحثين إلى القول بأنها الفتنة الواقعة في زمن عثمان رضياللهعنه والتي انتهت بمقتله وأدت إلى التمزق والانغلاق في كيان المجتمع الإسلامي وظهور الأهواء السياسية المتعارضة والآراء المتعصبة المتدافعة (2). وذهب آخرون إلى أن المقصود بالفتنة هي فتنة علي ومعاوية رضياللهعنهما واختلافهم في أمر الخلافة (3). ورأى الأستاذ روبسن أن المراد بالفتنة هي فتنة عبد الله بن الزبير معتمدا في ذلك على نص ورد في موطأ مالك جاءت فيه هذه اللفظة ، وهو حديث مالك عن نافع أن ابن عمر خرج إلى مكة في الفتنة يريد الحج ... الحديث» (4)، والمقصود كما هو معروف حصار الحجاج لابن الزبير سنة 72 ه (5) ، وبذلك حاول روبسن أن يوفق بين نص ابن سيرين وعمره وتاريخ هذه
صفحہ 12
الحادثة (1). ولا شك أن هذا الرأي لم يقم على أسس منطقية أو تاريخية سوى ورود لفظة «الفتنة» في نص حديث ابن عمر ، وقد ورد هذا اللفظ كثيرا في غيره من الأحاديث والنصوص التاريخية.
وبسبب ورود هذه اللفظة في نص تاريخي رأى الأستاذ يوسف شخت أن الفتنة إنما هي فتنة الوليد بن يزيد المتوفى سنة 126 ه فقد جاء في تاريخ الطبري في حوادث السنة المذكورة : «وفي هذه السنة اضطرب حبل بني مروان وهاجت الفتنة» (2). وقد أدى به هذا الافتراض إلى اعتبار كلام ابن سيرين موضوعا عليه لأنه توفي سنة 110 ه (3)، وهو استنتاج غريب يدل على مجازفة ظاهرة ، فالفتن كثيرة ، وقد ورد هذا اللفظ في العديد من الأحاديث والنصوص التاريخية والأدبية المتصلة بالقرن الأول الهجري.
وعندي أن ابن سيرين لم يقصد فتنة معينة من هذه الفتن المعروفة في التاريخ ، وإنما أراد انتشار الكذب والأهواء وتنازع المسلمين ، وكثرة الوضع والانتحال وتهيؤ الأسباب لذلك (4).
وقد شعر ابن عباس «ت 68 ه» بخطورة الأمر حين بدأ يقف على أكاذيب أضيفت إلى سيدنا علي رضياللهعنه ويتعجب منها (5). وروى مجاهد ، قال : «جاء بشير العدوي إلى ابن عباس ، فجعل يحدث ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
صفحہ 13
فجعل ابن عباس لا يأذن (1) لحديثه ولا ينظر إليه ، فقال : يا ابن عباس ، مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع ، فقال ابن عباس : إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا ، وأصغينا إليه بآذاننا ، فلما ركب الناس الصعب والذلول ، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف» (2).
إن السؤال عن الرواة كان شاملا لأسمائهم وكناهم وألقابهم وعشائرهم ، وشيوخهم ، ورحلاتهم إلى البلدان والأمصار ، ولقائهم المشايخ ، فضلا عن مواليدهم ووفياتهم لتبيان صدق لقائهم لمشايخهم ، ثم الآخذين عنهم وطبقاتهم ، وآراء العلماء النقاد فيهم جرحا أو تعديلا. ومن ثم توفرت مادة عن كل واحد منهم صار من المتعين تنظيمها في كتب خاصة.
** أساليب عرض كتب الرجال والتراجم :
ولما كان عدد هؤلاء الرواة ضخما ومتنوعا أصبح من الضروري إيجاد صيغ تنظيمية تيسر على الباحث الوقوف على طلبته من غير تعب أو نصب ، فاخترعوا أشكالا متنوعة لعرض المادة التي حصلوا عليها ، وتفننوا في أساليب العرض والمحتوى.
فأما أساليب العرض فقد وقفنا على خمسة أنواع هي :
** أولا : التنظيم على الطبقات :
ليس لدينا تحديد واضح لمعنى «الطبقة» عند المحدثين ، فهي لم تستعمل كوحدة زمنية ثابتة ، لكنها كانت تعني اللقيا في الأغلب الأعم ، فيجمع الرواة الذين أخذوا عن شيوخ معينين في مكان واحد ، وهم في الأغلب الأعم من
صفحہ 14
أعمار متقاربة.
لقد ابتكر نظام الطبقات في الأصل ليخدم إسناد الحديث فيعرف ما فيه من إرسال أو انقطاع أو عضل أو تدليس أو نحو ذلك مما يؤدي إلى معرفة اتصال السند من عدمه. ويؤكد الأستاذ فرانتس روزنتال أن تقسيم الطبقات هو أقدم تقسيم زمني وجد في التفكير الإسلامي (1). ومن أشهر كتب طبقات المحدثين كتاب «الطبقات» لمحمد بن سعد البغدادي «ت 230 ه» ، وكتاب «الطبقات» لخليفة ابن خياط المعروف بشباب العصفري «ت 240 ه» وكلاهما مطبوعان مشهوران.
وعلى الرغم من وجود عيوب رئيسة في هذا التنظيم من أبرزها عدم اتباع الآخذين به تقسيما واحدا أو مفهوما واحدا للطبقة حيث يتباين عدد الطبقات لمدة زمنية محدودة بين مصنف وآخر ، كما أنه يختلف عند المؤلف الواحد بين كتاب وآخر بحسب مفهومه للطبقة ومراده منها ، فلا ينفع البتة أن تقول أن فلانا من الطبقة الرابعة أو السادسة ، لأنه قد يكون عند مؤلف آخر من الطبقة الخامسة أو الثامنة ، أو هو متباين تباينا كاملا عند مؤلف بعينه.
لقد تأثر الحافظ الذهبي بطريقة المحدثين فرتب كثيرا من كتبه على الطبقات ، واختلف المفهوم عنده من كتاب لآخر ، فقد رتب كتابه «تذكرة الحفاظ» الذي تناول فيه كبار حفاظ الحديث من الصحابة حتى عصره على إحدى وعشرين طبقة استنادا إلى اللقيا بين المشايخ ولم يدخل سني الوفيات باعتباره ، حيث نجدها متداخلة بين طبقة وأخرى ، وقد علل ذلك بقوله أنه لا بد في كل طبقة من مجاذبة الطبقتين ، وإلا فلو بولغ في تقسيم الطبقات لجاءت كل طبقة ثلاث طبقات وأكثر (2). أما كتابه «معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار» فقد جعله سبع عشرة طبقة حسب اللقيا في القراءة مع أنه تناول المدة الزمنية
صفحہ 15
نفسها التي تناولها كتابه «تذكرة الحفاظ» ورتب كتابه الثالث «سير أعلام النبلاء» على أربعين طبقة مع أن المدة الزمنية التي تناولها هي نفسها التي تناولها في كتابيه السابقين.
ومن هذا الذي قدمنا يتضح لنا أن الذهبي لم يراع الوحدة الزمنية الثابتة في جميع هذه الكتب. أما كتابه «المعين في طبقات المحدثين» فقد جعل الطبقات الأولى فيه تتخذ أسماء المشهورين فيها من نحو قوله «طبقة الزهري وقتادة» و «طبقة الأعمش وأبي حنيفة» و «طبقة ابن المديني وأحمد» وهلم جرا ، إلا أنه غير هذه الطريقة حينما وصل إلى مطلع المئة الثالثة حيث صار يستعمل السنوات التقريبية في الطبقة نحو قوله : «الطبقة الذين بقوا بعد الثلاث مئة وإلى حدود العشرين والثلاث مئة و «طبقة من الثلاثين إلى ما بعد الخمسين وخمس مئة». ويتبين من دراسة هذه الوحدات الزمنية التي ذكرها أن الطبقة قد تكون في حدود عشرين سنة أو خمس وعشرين أو ثلاثين سنة. أما تقسيمه لتاريخ الإسلام إلى سبعين طبقة وجعله الطبقة عشر سنين فهو أسلوب تنظيمي حسب لا علاقة له بأدب التنظيم على الطبقات ، كما بيناه مفصلا في موضع آخر (1).
لقد أثر نظام الطبقات الذي اخترعه المحدثون بأساليب عرض كتب التراجم التي عنيت بغيرهم ، فاتبعته ولم تشذ عن طريقة أهل الحديث كثيرا ، فنظموا كتبا في القراء ، والفقهاء ، والصوفية والزهاد ، والأدباء ، والشعراء ، والنحاة ، وغيرهم على الطبقات ، وهي كتب معروفة منتشرة مشهورة.
** ثانيا : التنظيم على الأنساب :
عني العرب بأنسابهم قبل الإسلام ، واستمرت هذه العناية في الإسلام ، فقد نظم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة حين أصدر دستورها الأول «الصحيفة» على عشائرها.
وقامت تنظيمات الدولة الإسلامية الاجتماعية والاقتصادية في القرن الأول
صفحہ 16
الهجري على أساس من التنظيمات القبلية. فقد قسمت البصرة إلى أخماس لكل قبيلة من القبائل النازلة فيها سكن خاص بها يسمى «ربع» ، كما قسمت الكوفة إلى «أرباع» أيضا. ويلاحظ أن السبق في الإسلام يرتبط في كثير من الأحيان بالقبيلة إذ غالبا ما كان إسلام القبيلة عاما حيث كانت تدخل الإسلام دفعة واحدة حين يدخل رؤساؤها في الإسلام. وكان «العطاء» في القرن الأول يمثل عصب الحياة العربية لا سيما بالنسبة إلى القبائل المحاربة في الأمصار الجديدة مثل البصرة والكوفة والفسطاط وغيرها ، وكان العطاء يوزع على أساس القبائل حيث كان عطاء القبيلة يعطى إلى رئيسها ليوزع بعد ذلك على أفرادها. وكان طابع الحركة الفكرية في هذه المراكز قد تأثر كثيرا بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وقد ساعد كل ذلك على نمو العناية بالأنساب والتأليف فيها ، وانبرى كتاب القبائل إلى تأليف الكتب والرسائل التي تظهر أمجاد قبائلهم ومفاخرها ومنزلتها في الجاهلية والإسلام.
وكان من الطبيعي أن يعنى المحدثون بالأنساب نظرا لطبيعة المجتمع القائم يومئذ ، فصاروا يجمعون رواة الحديث الذين ينتمون إلى عشيرة أو قبيلة واحدة فيذكرونهم في مكان واحد.
إن أقدم من أخذ بالترتيب على النسب من المصنفين الأولين في الرجال هو ابن سعد كاتب الواقدي «ت 230 ه» في كتابيه «الطبقات الكبرى» و «الطبقات الصغرى» ، وخليفة بن خياط «ت 240 ه » في كتابه «الطبقات».
«فأما خليفة فقد كان أكثر التزاما بالترتيب على النسب ، فقد جعل النسب هو الأساس الوحيد في ترتيب الصحابة في المدينة ، ولم يعتبر السابقة في الإسلام وتقدم سنة الوفاة ، ولا التفاضل بين الصحابة ، وبهذا استطاع أن يعرض الرواة من الصحابة على أساس العشائر دون إخلال بهذا الأساس سواء فيما كتبه عن الصحابة في المدينة أو ما كتبه عن الصحابة في الأمصار كالكوفة والبصرة ، وكذلك فعل عند كلامه على الصحابة الذين نزلوا بلاد الشام. ويستمر التقسيم
صفحہ 17
على النسب ظاهرا في طبقات خليفة عند كلامه على التابعين في الكوفة والبصرة والمدينة ، ولا يتجاوز هذا الأساس إلا في موضع واحد فقط عند ذكره للطبقة الثانية من التابعين في المدينة ، فقد قدم أبناء المهاجرين على غيرهم معتبرا السابقة في الإسلام ، ولكنه عاد بعد ذلك إلى الترتيب النسبي. وقد حافظ خليفة ابن خياط على النسق الذي اتبعه في تسلسل القبائل من بداية كتابه حتى يتلاشى عنده الترتيب على النسب بعد التابعين ، مما يؤكد أن تسلسل القبائل عنده لم يكن مجرد ترتيب عرضي بل هو أمر مقصود قائم على فكرة القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو بذلك يتابع كتب الأنساب. ثم يختفي الترتيب على النسب بعد طبقة التابعين ، ولا يظهر إلا في القسم الأخير الذي خصصه للنساء» (1).
أما محمد بن سعد فقد مزج بين الترتيب استنادا إلى السابقة في الإسلام والنسب ، فقد قسم الصحابة إلى طبقات حسب قدم إسلامهم ، لكنه في الوقت نفسه نظم كل طبقة حسب النسب ابتداءا ببني هاشم ثم بقية بطون قريش ثم مضر ، فالأوس والخزرج ، وهلم جرا ، لكنه كان قليل المراعاة لهذا الأمر كلما تقدم في التابعين ثم من بعدهم.
إن ترتيب كتب الرجال على أسس الأنساب لم يتقدم وبدأ بالتلاشي منذ مدة مبكرة لقلة فاعليته وصعوبة الاستمرار في السير عليه نظرا لعدة عوامل من أبرزها :
1 اتساع رقعة الإسلام ودخول غير العرب فيه وبروز العديد من العلماء والمحدثين من غير العرب مما يصعب سلكهم في هذا التنظيم.
2 إن العناية بالأنساب ارتبطت غالبا في مجتمعات القرن الأول التي اعتزت بأنسابها اعتزازا كبيرا نظرا لقربها من عهد القبيلة ولارتباط مصالحاها الاجتماعية والاقتصادية بقبائلها ، فلما ضعف دور القبيلة ضعف معه العناية بالنسب.
صفحہ 18
3 إن النسب بحد ذاته لم يعد في المجتمع العباسي ذا أهمية ، فقد قامت الثورة العباسية على أساس أممي ، وتطورت الحياة فيها إلى حياة مدنية ، ولم يعتن العباسيون بالقبائل وشيوخها ، ثم اضمحل الأمر كلية بإلغاء نظام العطاء.
ومن ثم فإن كتب المحدثين التي كانت تعنى بأنساب القبائل أخذت تتحول فتعنى بانتسابات المحدثين إلى المدن والصنائع والمهن ومنها العشائر والقبائل كما هو في أنساب السمعاني «ت 562» وغيره.
** ثالثا : التنظيم على حروف المعجم :
نظمت كثير من كتب الرجال على حروف المعجم ليسهل الكشف على اسم المحدث فيها ، مع تباين في مفهوم هذا التنظيم ، ذلك أن بعضهم لم يعتبر إلا الاسم الأول ، ثم نظم كل اسم حسب الطبقات أو الوفيات ، وراعى بعضهم الاسم الأول والثاني ثم نظم هذه الأسماء حسب وفياتها ، واتبع آخرون الترتيب المعجمي في الأسماء والآباء صعودا حتى يحصل الفرق. ويصبح الأمر أكثر سهولة إذا عرف القارئ منهج كل مؤلف من هؤلاء.
إن تنظيم الرجال على حروف المعجم يرجع إلى فترة مبكرة ، فقد رتب أبو إسحاق أحمد بن محمد بن ياسين الهروي «ت 234» كتابه في «تاريخ هراة» على حروف المعجم (1) ومن أوائل الكتب المرتبة على حروف المعجم كتاب «التاريخ الكبير» لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري «ت 256 ه» ، وهو يمثل أنموذجا سار عليه غير واحد ممن ألف في الرجال ورتب على حروف المعجم.
ابتدأ البخاري كتابه بمن اسمه محمد إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم وتبركا به ، وهي عادة انتقلت إلى الكثيرين ممن رتب على حروف المعجم من كتاب الرجال والتراجم ، وابتدأ بترجمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم المحمدين من الصحابة فذكر عشرة منهم. ثم بدأ يرتب آباء من اسمه محمد على حروف المعجم فيذكر من يبدأ اسم أبيه بالألف ،
صفحہ 19
لكنه لا يعنى بترتيب أسماء الآباء حسب تسلسل حروفها ، ففي باب الألف مثلا يذكر أسامة ، ثم إياس ، وأشعث ، وإبراهيم ، وأفلح ، وأبي ، والأسود ، وأيوب ، وأبان ، وإسماعيل ، وإسحاق ، وأسلم ، وأنس ، وأعين ... إلخ وكذلك في الحروف الأخرى من الآباء. وحين انتهى من المحمدين ابتدأ بحرف الألف ، فابتدأ بإبراهيم ، ثم إسماعيل ، فإسحاق ، فأيوب ، ثم أشعث ، والأسود ، وأزهر ، وأحمد ، وأمية ، وأسيد ، وأوس ، وأسامة ، وأسلم ، وأيمن ، وأنس ، وأصبغ ، وإدريس ، وآدم ، وأبي ... إلخ ، وكذلك فعل في ترتيب آبائهم ، فرتب آباء من اسمه «إبراهيم» مثلا على الألف ثم الباء ثم الثاء ، فالجيم والحاء والخاء ... إلخ من غير اعتبار لتنظيمهم على حروف المعجم ضمن الحرف الواحد ، وربما لاحظ القدم والتسلسل الزمني.
لقد تأثر العديد من مؤلفي كتب الرجال والتراجم بهذه الطريقة ، فاتبعها الخطيب في «تاريخ مدينة السلام» حيث اعتمد الاسم الأول للمترجم فقط ، فإذا كان في المترجمين بهذا الاسم كثرة مثل المحمدين والأحمدين والعليين ونحوهم رتبهم بحسب أسماء آبائهم على حروف المعجم أيضا ، وذكر لكل ذلك أبوابا ثم عناوين ، وربما اضطر في أحايين قليلة جدا إلى ترتيب أسماء الأجداد على حروف المعجم حينما تكثر الأسماء في العنوان الواحد ، كما فعل فيمن اسمه محمد واسم أبيه أحمد ، فقال : «وهذا ذكر من اسمه محمد واسم أبيه أحمد جعلت ترتيبهم على حروف المعجم من أوائل أسماء أجدادهم لتقرب معرفته وتسهل طلبته» (1). وفيما عدا هذه الاستثناءات رتب كل باب أو عنوان من هذه الأبواب والعناوين حسب قدم الوفاة ، سواء أكان الباب أو العنوان متضمنا الاسم الأول فقط أم كان مرتبا على الاسم الأول ثم اسم الأب ، أم مرتبا على اسم الأب واسم الجد بصرف النظر عن منزلته ، ومن غير اعتبار لكبر سنه أو علو روايته ،
صفحہ 20
وهي الطريقة التي ابتدعها البخاري في تاريخه الكبير في كثير من جوانبها ، وسيأتي مزيد ذكر لها عند الكلام على منهج المؤلف ابن الدبيثي في كتابه هذا.
على أن كثيرا من المؤلفين المتأخرين في الرجال والتراجم وجدوا في هذا الترتيب المزدوج على حروف المعجم ثم على الوفيات صعوبة وإرباكا لا سيما بعد أن توفرت مادة أجود عندهم فعدل الكثير منهم إلى الترتيب على حروف المعجم في الأسماء والآباء والأجداد مع اعتبارات يسيرة مثل تقديم المحمدين على غيرهم ، أو تقديم الأحمدين في حرف الألف على غيرهم.
إن أفضل كتاب منظم على حروف المعجم من حيث المنهجية والترتيب هو كتاب «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» لحافظ عصره أبي الحجاج يوسف المزي «ت 742 ه» (1)، فقد رتب التراجم على حروف المعجم المشرقية في أسمائهم وأسماء آبائهم وأجدادهم وهلم جرا ، لكنه بدأ في حرف الألف بالأحمدين ، وفي حرف الميم بالمحمدين لشرف هذين الاسمين. ثم رتب في نهاية الأسماء فصول الكنى والأنساب والألقاب والمبهمات على حروف المعجم أيضا ، وجعل النساء في آخر الكتاب ورتبهم على الترتيب المذكور في الأسماء والكنى والأنساب والألقاب والمبهمات ، وعمل إحالات للأسماء الواردة في كتابه بحسب شهرته أو وروده في الروايات ، وجعل كثيرا من هذه الإحالات في صلب الكتاب ، كما أفاد من فصول الكنى والأنساب والألقاب والمبهمات في عمل الإحالات ، وهي فهارس قلما نجدها في عصرنا الحديث هذا لصعوبتها.
لقد صار هذا التنظيم نموذجا لكثير من الكتب التي جاءت بعده ، فأفاد منه غير واحد ، لا سيما الكتب التي جاءت بعده ، نذكر منها «الوافي» للصفدي ،
صفحہ 21
و «فوات الوفيات» لابن شاكر ، وكتب الحافظ ابن حجر ، والسخاوي وغيرهم.
** رابعا : التنظيم على الوفيات :
ورتبت بعض كتب الرجال والتراجم مادتها حسب تاريخ وفاة المترجم من غير نظر إلى أهمية المترجم أو قيمته العلمية.
وأول من كتب في هذا النوع فيما نعلم هو أبو الحسين عبد الباقي بن قانع ابن مرزوق البغدادي المتوفى سنة 351 ه ابتدأ به من الهجرة ووصل به إلى سنة 346 ه (1).
ثم كتب الحافظ أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة المعروف بابن زبر الربعي الدمشقي «ت 379 ه» كتابه الشهير : «تاريخ موالد العلماء ووفياتهم» ابتدأه من الهجرة ووصل به إلى سنة 338 ه.
وعلى هذا الكتاب سار تذييل طويل في كتب الوفيات ، فقد ذيل عليه الحافظ أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني الدمشقي «ت 466 ه» إلى قريب وفاته ، ثم ذيل على أبي محمد الكتاني تلميذه أبو محمد هبة الله بن أحمد ابن الأكفاني «ت 524» ذيلا صغيرا نحو عشرين سنة وصل به إلى سنة 485 ه وسماه «جامع الوفيات».
ثم ذيل على ابن الأكفاني شرف الدين أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي الإسكندراني المالكي الحافظ الكبير المتوفى سنة 611 ه وصل به إلى سنة 581 ه (2).
صفحہ 22
وذيل على ابن المفضل تلميذه الإمام الحافظ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري «ت 656 ه» وصل به إلى أثناء سنة 642 ه وسماه «التكملة لوفيات النقلة» ، وقد يسره الله لي فحققته سنة 1967 م ونلت به رتبة الماجستير من جامعة بغداد مع كتاب عن المنذري وكتابه التكملة ، وطبع الكتاب أكثر من خمس طبعات.
وذيل على أبي محمد المنذري تلميذه الشريف عز الدين أحمد بن محمد الحسيني المتوفى سنة 695 ه بكتاب سماه «صلة التكملة لوفيات النقلة» ابتدأه من سنة 641 ه ووقف به عند سنة 675 ه ، ووصل إلينا بخطه كاملا ، وقد أعددته للنشر.
ويلاحظ أن التنظيم على الوفيات يتصل اتصالا وثيقا بكتب الحوليات ، وهي الكتب التاريخية التي عرضت مادتها سنة فسنة مثل تاريخ خليفة بن خياط «ت 240 ه» و «تاريخ الأمم والملوك» للطبري «ت 310» ، فأساس فكرتها هي سياقة الحوادث أو التراجم على التسلسل الزمني ، ومن ثم رأينا المنذري في «التكملة» يرتب تراجمه حسب وفياتهم باليوم والشهر والسنة.
ومن هنا يتعين علينا التنبيه على أن بعض الكتب التي تحمل اسم «الوفيات» لا تعد ضمن هذه الكتب إلا أن تكون قد التزمت بالترتيب على أساس الوفاة ، فمن ذلك مثلا كتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان «ت 681» و «الوافي بالوفيات» للصلاح الصفدي «ت 764» و «فوات الوفيات» لابن شاكر الكتبي «ت 764» ، فهذه الثلاثة من الكتب المرتبة على حروف المعجم.
كما ينبغي الالتفات إلى أن لفظ «الوفيات» صار مرادفا للتراجم ، فيقال في الكتاب الحولي الذي يعنى بذكر الحوادث والتراجم ، أنه يتضمن الحوادث والوفيات ، بل ربما أطلق لفظ «الوفيات» على الكتب الحولية التي غلب عليها ذكر التراجم ، مثل كتاب «المقتفي لتاريخ أبي شامة» لعلم الدين البرزالي «ت 739 ه» وغيره ، فهذا كله من باب التجوز.
صفحہ 23
** خامسا : التنظيم على البلدان :
يراد بالتنظيم على البلدان أن يجمع المؤلف رجال أو تراجم كل بلد في مكان واحد من الكتاب ، ثم يرتبهم على حروف المعجم أو الطبقات أو الأنساب ، وهو غير تخصيص كتاب بعينه لبلد معين ، كما سنبينه لاحقا.
وقد ظهر التنظيم على البلدان عند المحدثين منذ فترة مبكرة ، فنظم كل من ابن سعد «ت 230» وخليفة بن خياط «ت 240» كتابيهما على البلدان. ورتب الإمام مسلم «ت 261» كتابه «الطبقات» على البلدان أيضا. وكذلك فعل ابن أبي خيثمة «ت 279» في كتابه «التاريخ الكبير». وكتب ابن حبان «ت 345» كتابه المشهور «مشاهير علماء الأمصار» وقسمه إلى ستة أقسام كبيرة هي : الحجاز ، والعراق ، والشام ، ومصر ، واليمن ، وخراسان.
وكان نصيب كل مدينة يتوقف على مدى نشاط الحركة الفكرية فيها وكثرة من نسب إليها من العلماء.
** محتويات كتب الرجال والتراجم :
تكلمنا فيما تقدم على أساليب عرض كتب الرجال وتأثر كتب التراجم بها ، ثم لاحظنا بعد ذلك تفننا في محتويات هذه الكتب ، فهي إما أن تكون شاملة ، وهي الأقل ، أو تكون مختصة بفئة معينة. ويقع عند كثير من الباحثين خلط بين أساليب العرض والمحتوى ، وهو مما يتعين التفريق بينهما ، فالمحتوى قد يعرض بأي من أساليب العرض : على الطبقات ، أو الأنساب ، أو حروف المعجم ، أو البلدان ، أو الوفيات.
لقد بينا أن كتب الرجال هي الأصل لأنها كانت تلبي حاجات المحدثين في معرفة الرواة جرحا وتعديلا ، ثم انتقلت لتشمل النواحي الأخرى في الحركة الفكرية العربية الإسلامية وهو ما عرف بالتراجم ، وأبرز كتب المحدثين تناولت :
صفحہ 24
** 1 الصحابة :
لاحظنا أن المحدثين عنوا بتأليف كتب خاصة في الصحابة ، من أبرزها كتاب «معجم الصحابة» لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع البغدادي المتوفى سنة 351 ه ، وهو مرتب على حروف المعجم ، وكتاب «معرفة الصحابة» لأبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430 ه ، وكتاب «الاستيعاب» لابن عبد البر النمري المتوفى سنة 463 ه وهو مرتب على حروف المعجم المغربية ، ومنها كتاب عز الدين ابن الأثير المتوفى سنة 630 ه المعروف «بأسد الغابة في معرفة الصحابة» ، ثم كتاب الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852 ه «الإصابة» الذي استوعب فيه الكتب السابقة. وهذه الكتب كلها مطبوعة متداولة مشهورة.
** 2 الثقات :
وتناول مؤلفو كتب الرجال الرواة الثقات بتآليف خاصة ، منها كتاب «الثقات» لأحمد بن عبد الله العجلي المتوفى سنة 261 ه ، وكتاب «الثقات» لابن حبان البستي المتوفى سنة 354 ه ، وكلاهما متساهل في التوثيق ، وتاريخ أسماء الثقات لأبي حفص بن شاهين المتوفى سنة 385 ه.
** 3 الضعفاء :
وعني مؤلفو كتب الرجال بذكر الضعفاء من الرواة وجمعهم في كتب مخصوصة ، ولكل واحد منهم منهجه وطريقته ، فمنهم من يذكر الراوي إن كان فيه أدنى لين ، ومنهم المتحرج الذي يقتصر على من تأكد ضعفه عنده. وأكثر الأئمة النقاد الأوائل ألفوا في الضعفاء ، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الإمام البخاري «ت 256 ه» ، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني «ت 256 ه» ، وأبو زرعة الرازي «ت 264 ه» ، والنسائي «ت 303 ه» وأبو جعفر العقيلي «ت 323 ه» ، وابن حبان البستي «ت 354 ه» ، وابن عدي الجرجاني «ت 365 ه» ، والدار قطني «ت 385 ه» ، والحاكم «ت 405 ه» ، وابن الجوزي «ت 597 ه» ، والذهبي «ت 748 ه» ، وكل كتبهم معروفة مطبوعة مشهورة.
صفحہ 25