وتعطيل المكارم.
واعلم أنّ استصغارك نعمك يكبّرها عند ذوي العقول، وسترك لها نشر لها عندهم، فانشرها بسترها، وكبّرها باستصغارها.
واعلم أنّ من الفعل أفاعيل وإن عظمت منافعها. ومنافع أضدادها فلإيثارها فضيلة على كلّ حال. فاجعل صمتك أكثر من كلامك؛ فإنّه أدلّ على حكمتك. واجعل عفوك أكثر من عقوبتك، فإنّ ذلك أدلّ على كرمك. ولا تفرطنّ فيه كل الإفراط حتّى تطّرح الكلام في موضعه، والتأديب في أوانه.
واعلم أنّ لكلّ امرىء سيّدا من عمله، قد ساهلته فيه نفسه وسلس له فيه هواه، فتحفّظ ذلك من نفسك، وتقاضها الزيادة فيه، ورضها على تثميره والمواظبة عليه.
واحذر الحذر كلّه الاغترار بأمور ثلاثة؛ فإنّ من عطب بها كثير، وتلافيها صعب شديد.
أحدها: ألّا تولّي جسائم تصرّفك وتقلّد مهمّ أمورك ووثائق تدبيرك إلّا امرا صلاحه موصول بصلاحك، وبقاء النّعمة عليك هو بقاء النعمة عليه.
أو أن تأنس أو تغترّ بمن تعلم أنّ بصلاحك فساده، وبارتفاعك انحطاطه، وبسلامتك عطبه؛ فإنّ من كان هكذا فأنت ملك موته. فبحسب ذلك فليكن عندك.
أو أن تجعل مالك كلّه في عقدة واحدة، أو حيّز واحد، [أو وجه منفرد]، إن اجتاحته جائحة أو نابته نائبة بقيت حسيرا. وقد قال بعض الحكماء: «فرّقوا المنيّة»، و«اطلبوا الأرباح بكلّ شعب» .
واعلم أنّه ليس من الأخلاق التي ذمّتها الحكماء خلق إلّا وقد ينفع في بعض الحالات، ويردّ به شكله، ويقام بإزاء مثله، ويدافع به نظيره.
1 / 90