226
يقول: إنّ سهامَ اللهِ مصيبةٌ لا تُخطئ وسيفَه لا يثلم البتّة، فهو الذي جعلك وزيرًا ولو شاء لأنزلك عن دستك. حثهم على الشكر ولو لِمَنْ ليس على دينهم قال رجلٌ لسعيد بن جبير: المجوسيُّ يُوليني خيرًا فأشكرُه، ويسلِّمُ عليَّ فأردُّ عليه؟ فقال سعيد: سألت ابنَ عبّاسٍ عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعونُ خيرًا لردَدْتُ عليه. . . وسلّم نصرانيٌّ على الشَّعبيِّ، فقال الشَّعبيُّ: وعليك السلامُ ورحمةُ الله، فقال له رجلٌ: سبحانَ الله، تقول لهذا النصرانيِّ ورحمةُ الله! فقال الشَّعبيُّ: أليس في رحمةِ اللهِ يعيش؟ قال: بلى، قال: فما وجهُ الإنكارِ عليّ عافاك اللهُ ورَحِمَنا وإيّاك برحمته؟ استحياؤهم من المديح ولاسيَّما إذا كان مُتكلَّفًا أو مُبالغًا فيه سمع سيدُنا رسولُ الله رجلًا يثني على آخرَ، فقال: (قَطَعْت مَطاه، لو سَمِعَ ما أفلحَ) المطا: الظهر وقالوا: استحياءُ الكريم من المدحِ أكثرُ من استحياءِ اللئيمِ من الذَّمِّ. . . وأثنى رجلٌ على هشام بن عبد الملك، فقال: إنّا نكره المدحَ، فقال: لست أمدَحُك ولكنّي أحمدُ اللهَ فيك. . . وكان أبو بكر الصديق رضوان الله عليه يقول إذا مُدِح: اللَّهمَّ، أنت أعلمُ منّي بنفسي منهم، اللهمّ، اجعلني خيرًا مما يحسبون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون. . . وكان رجلٌ يكثر الثناء على علي بن أبي طالب ﵁، وعَلِمَ من قلبِه خلافَ قوله، فقال له: أنا دونَ ما تقول، وفوقَ ما في نفسك؛ وقال الجاحظ: شرُّ الشُّكْرِ، ثناءُ المُواجِه لك المُسْرِف في مدحك،

1 / 215