Defense of the Prophetic Hadith
دفاع عن الحديث النبوي
اصناف
دفاع عن الحديث النبوي والسيرة
تأليف الشيخ المحدث العلامة
محمد ناصر الدين الألباني ﵀
كلمة بين يدي الرسالة الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فبين يديك أيها القارئ الكريم بحوث علمية حديثية في نقد كتاب (فقه السيرة) للدكتور محمد سعيد البوطي الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة دمشق كان وضعه لطلاب السنة الثانية في الكلية وكنت نشرت هذا النقد في مجلة التمدن الإسلامي الغراء بحوثا متتابعة رجوت منها أن يجد الطلاب وغيرهم فيها (نموذجا صالحا للنقد العلمي النزيه القائم على البحث والالتزام للقواعد العلمية الصحيحة عسى أن يزيدهم ذلك عناية بدراسة الحديث الشريف دراسة علمية وبذلك يحيون ما كاد يندرس من هذا العلم العظيم بسبب اقتصار المدرسين والأساتذة على تدريسه دراسة نظرية محضة وإصدارهم على أساسها تأليفاتهم التي يؤلفونها لطلابهم أو لغيرهم غير مراعين فيها أبسط تلك القواعد العلمية من اختيار النصوص الصحيحة والأحاديث الثابتة من المصادر الموثوقة والمراجع المعتمدة مع العزو إليها وتخريجها تخريجا علميا دقيقا فترى أحدهم - وهو أستاذ هذه المادة: الحديث - يورد حديثا نبويا أو خبرا متعلقا بسيرته ﵊ أو أخلاقه يقول في تخريجه: (رواه أبو داود) أو (رواه ابن هشام في (السيرة) وهو يظن أنه بذلك قد أدى الأمانة العلمية المطوقة في عنقه وأنه نصح لطلابه هيهات هيهات فإن التزام المنهج العلمي المشار إليه في الدراسة الحديثية يوجب عليه قبل هذا التخريج المقتضب أن يدرس إسناد ذلك الحديث أو الخبر ويتتبع رجاله ويتعرف علله وأقوال أهل الاختصاص [أ]
فيه ثم يحكم عليه بما تقتضيه هذه الدراسة من صحة أو ضعف ثم يقدم خلاصتها إلى طلابه مع التخريج المذكور وإلا فمثل هذا التخريج المبتور الذي جرى عليه الأستاذ المشار إليه مما لا يعجز عنه أحد من الطلاب أنفسهم إن شاء الله تعالى) ذلك ما كنت كتبته في مقدمة رسالتي (نقد نصوص حديثية في الثقافة العامة) (١) للشيخ محمد منتصر الكتاني وهو ينطبق على الدكتور البوطي تمام الانطباق بل إن هذا زاد على الشيخ فادعى لكتابه (فقه السيرة) من الصحة ما ليس له كما كنت أشرت إلى ذلك في التعليق على المقدمة المذكورة فقلت ما نصه: (ثم وقفت على كتاب (فقه السيرة) للأستاذ الفاضل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي فرأيته نحا فيه نحو الأستاذ الكتاني فأورد فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة والمنكرة بل وما لا أصل له البتة ولكنه زاد عليه فنص في المقدمة أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث والأخبار ولكن دراستي للكتاب بينت أنها دعوى مجردة وأن جل اعتماده كان على كتاب فضيلة الشيخ محمد الغزالي: (فقه السيرة) الذي لم يقتصر الدكتور على أن يأخذ اسمه فقط بل زاد عليه فاستفاد منه كثيرا من بحوثه ونصوصه بل وعناوينه كما استفاد من تخريجي إياه المطبوع معه مع اختصار له مخل ليستر بذلك ما قد فعل وقد انتقدني في ثلاث مواطن منه تمنيت - يشهد الله - أن يكون مصيبا ولو في واحد منها ولكنه على العكس من ذلك فقد كشف بذلك كله أن هذه الشهادات العالية وما يسمونه ب (الدكتوراه) لا تعطي لصاحبها علما وتحقيقا وأدبا وإني لأرجو أن تتاح لي الفرصة لأتمكن من بيان هذا الإجمال والله المستعان) _________ (١) نشرت أولا في مجلة التمدن الإسلامي الغراء (مجلد ٣٣ و٣٤) ثم أفردت في رسالة وذلك قبل عشر سنين [ب]
ثم أتيحت لي الفرصة فبينت الإجمال المشار إليه في هذه الرسالة التي يعود الفضل الأول في نشرها للسادة القائمين على مجلة التمدن الإسلامي الغراء وبخاصة منهم الأستاذ أحمد مظهر العظمة شفاه الله وقواه فقد نشرت فيها تباعا في مقالات متسلسلة من العدد (٧ - مجلد ٤٢ - ٢ - مجلد ٤٤) ثم أفردتها في هذه الرسالة ليعم النفع بها ويطلع عليها من لم يتمكن من متابعتها في المجلة الغراء هذا وقد نمي إلي أن بعض الأساتذة رأى في ردي هذا على الدكتور شيئا من الشدة والقسوة في بعض الأحيان مما لا يعهدون مثله في سائر كتاباتي وردودي العلمية وتمنوا أنه لو كان ردا علميا محضا فأقول: إنني أعتقد اعتقادا جازما أنني لم أفعل إلا ما يجوز لي شرعا وأنه لا سبيل لمنصف إلى انتقادنا كيف والله ﷿ يقول في كتابه الكريم في وصف عباده المؤمنين: ﴿والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ... وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ... ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ... إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ... ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور﴾ فإن كل من يتتبع ما يكتبه الدكتور البوطي في كتبه ورسائله ويتحدث به في خطبه ومجالسه يجده لا يفتأ يتهجم فيها على السلفيين عامة وعلي من دونهم خاصة ويشهر بهم بين العامة والغوغاء ويرميهم بالجهل والضلال وبالتبله والجنون ويلقبهم ب (السلفيين) و(السخفيين) وليس هذا فقط بل هو يحاول أن يثير الحكام ضدهم برميه إياهم بأنهم عملاء للاستعمار. إلى غير ذلك من الأكاذيب والترهات التي سجلها عليه الأستاذ محمد عيد عباسي في كتابه القيم (بدعة التعصب المذهبي) (ص ٢٧٤ - ٣٠٠) وغيرها داعما ذلك بذكر الكتاب والصفحة التي جاءت فيها هذه الأكاذيب ومن طاماته وافتراءاته قوله في (فقه السيرة) (ص ٣٥٤ - الطبعة الثالثة) بعد أن نبزهم بلقب الوهابية: (ضل أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله [ج]
ﷺ وراحوا يستنكرون التوسل بذاته ﷺ بعد وفاته) . وهذا كأنه اجترار من الدكتور لفرية ذلك المتعصب الجائر: (إن هؤلاء الوهابيين تتقزز نفوسهم أو تشمئز حينما يذكر اسم محمد ﷺ والدكتور حين يلفظ هذه الفرية يتذكر أن الواقع - الذي هو على علم به - يكذبها فإن السلفيين وأمثالهم بفضل الله تعالى - من بين المسلمين جميعا - شعارهم اتباعهم للنبي ﷺ وحده دون سواه وهو الدليل القاطع على حبهم الخالص له الذي لازمه حبهم لله ﷿ كما قال: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ . ولعلم الدكتور بهذا الفضل الإلهي على السلفيين حمله حقده عليهم أن يحاول إبطال دلالة الآية المذكورة على ما سلف بل وعلى تضليل السلفيين مجددا لفهمهم إياها هذا الفهم الواضح وأنها تعني أن الاتباع دليل المحبة وأنها لا تنفك عنه فقال (ص ١٩٥ - الطبعة الثالثة): (ولقد ضل قوم حسبوا أن محبة رسول الله ﷺ ليس لها معنى إلا الاتباع والاقتداء وفاتهم أن الاقتداء لا يأتي إلا بوازع ودافع ولن تجد من وازع يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية. . .) وأقول: إن الذي ضل إنما هو الذي يناقض نفسه بنفسه من جهة فأول كلامه ينقض آخره لأنه إذا كان لا يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية وهو كذلك وهو الذي نعتقده ونعمل به فكيف يتفق هذا مع أول كلامه الصريح في أن المحبة لها معنى غير الاتباع؟ ولو كان الأمر كذلك وثبت الدكتور عليه لأبطل دلالة الآية والعياذ بالله تعالى ومن جهة أخرى فقد افترى علينا بقوله: (وفاتهم أن الاقتداء. . .) الخ فلم يفتنا ذلك مطلقا بحمد الله بل نعلم علم اليقين أنه كلما ازداد المسلم اتباعا للنبي ﷺ ازداد حبا له وأنه كلما ازداد حبا له ازداد اتباعا له ﷺ فهما أمران [د]
متلازمان كالإيمان والعمل الصالح تماما فهذا الحب الصادق المقرون بالاتباع الخالص للنبي ﷺ هو الذي أراد الدكتور أن ينفيه عن السلفيين بفريته السابقة فالله تعالى حسيبه ﴿وكفى بالله حسيبا﴾ ذلك قليل من كثير من افتراءات الدكتور البوطي وترهاته الذي أشفق عليه ذلك البعض أن قسونا عليه أحيانا في الرد ولعله قد تبين لهم أننا كنا معذورين في ذلك وأننا لم نستوف حقنا منه بعد ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ ولكن لن نستطيع الاستيفاء لأن الافتراء لا يجوز مقابلته بمثله وكل الذي صنعته أنني بينت جهله في هذا العلم وتطفله عليه ومخالفته للعلماء وافتراءه عليهم وعلى الأبرياء بصورة رهيبة لا تكاد تصدق فمن شاء أن يأخذ فكرة سريعة عن ذلك فليرجع إلى فهرس الرسالة هذه ير العجب العجاب هذا وهناك سبب أقوى استوجب القسوة المذكورة في الرد ينبغي على ذلك البعض المشفق على الدكتور أن يدركه ألا وهو جلالة الموضوع وخطورته الذي خاض فيه الدكتور بغير علم مع التبجح والادعاء الفارغ الذي لم يسبق إليه فصحح أحاديث وأخبارا كثيرة لم يقل بصحتها أحد وضعف أحاديث أخرى تعصبا للمذهب وهي ثابتة عند أهل العلم بهذا الفن والمشرب مع جهله التام بمصطلح الحديث وتراجم رواته وإعراضه عن الاستفادة من أهل العلم العارفين به ففتح بذلك بابا خطيرا أمام الجهال وأهل الأهواء أن يصححوا من الأحاديث ما شاءوا ويضعفوا ما أرادوا (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) وسبحان الله العظيم إن الدكتور ما يفتأ يتهم السلفيين في جملة ما يتهمهم به بأنهم يجتهدون في الفقه وإن لم يكونوا أهلا لذلك فإذا به يقع فيما هو شر مما اتهمهم به تحقيقا منه للأثر السائر: (من حفر بئرا لأخيه وقع فيه) أم أن [هـ]
الدكتور يرى أن الاجتهاد في علم الحديث من غير المجتهد بل من جاهل يجوز وإن كان هذا العلم يقوم عليه الفقه كله أو جله من أجل ذلك فإني أرى من الواجب على أولئك المشفقين على الدكتور أن ينصحوه (والدين النصيحة) بأن يتراجع عن كل جهالاته وافتراءاته وأن يمسك قلمه ولسانه عن الخوض في مثلها مرة أخرى عملا بقول نبينا محمد ﷺ: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل: كيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره) . أخرجه البخاري من حديث أنس ومسلم من حديث جابر وهو مخرج في (الإرواء) (٢٥١٥) فإن استجاب الدكتور فذلك ما نرجو و(عفا الله عما سلف) وإن كانت الأخرى فلا يلومن إلا نفسه والعاقبة للمتقين وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ... يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار﴾ وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم دمشق في ٢٧ جمادى الآخرة سنة ١٣٩٧ هـ محمد ناصر الدين الألباني [و]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد: فهذه تعليقات سريعة على أحاديث كتاب (فقه السيرة) تأليف الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في جزأين طبع دار الفكر الحديث في لبنان. قال في المقدمة: (وبعد فهذه أبحاث في فقه السيرة النبوية كنت ألقيتها محاضرات على طلاب السنة الأولى - والثانية - بكلية الشريعة في جامعة دمشق) أقول: لقد كان من أقوى الحوافز على دراسة هذا الكتاب - مع ضيق الوقت - وضعف الرغبة في قراءة مؤلفات المعاصرين - أنني رأيت مؤلفه الفاضل يقول في مقدمة الجزء الثاني منه (ص ٣): (ولقد سلكت فيه الطريقة التي سلكتها في الجزء الأول فأفردت أبحاث السيرة على شكل نصوص اعتمدت فيها أولا على صحاح السنة ثانيا على ما صح من أخبار السيرة في كتبها وأهم ما اعتمدت عليه من ذلك سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد) فلما قرأت هذا استبشرت خيرا وقلت في نفسي: إذا صدق الخبر الخبر فلا شك أن الدكتور بكتابه هذا يكون قد طرق بابا جديدا من التأليف في سيرة النبي ﷺ وهو اختيار الروايات التي صحت فيها من كتب الحديث والسيرة ولازمه الإعراض عن ذكر ما لم يصح منها على طريقة علماء الحديث ونقاده وهذا أمر هام جدا فإن ما ألف في السيرة النبوية الكريمة حتى الآن يعد بالألوف [١]
كما قال العلامة السيد سليمان الندوي في كتابه القيم (الرسالة المحمدية) (١) (ص ٦٥) ومع ذلك فإني لا أعلم في كل ما ألف من ذلك من نحا هذا المنحى من الاختيار الذي ذكر فضيلة الدكتور أنه سلكه في هذا الكتاب ولطالما راودتني نفسي أن أسلك هذا السبيل فأضع كتابا جامعا تحت عنوان (صحيح السيرة النبوية) على نحو ما جريت عليه في (صحيح سنن أبي داود) وغيره مما أنا في سبيله الآن ولكن الفرصة لم تسنح لي حتى هذه الساعة للقيام بمثل هذا الواجب فلما قرأت عبارة الدكتور السابقة ظننت أنه قد قام بالواجب وتحقق الرجاء وكيف لا يكون ذلك واجبا وسيرته ﷺ إنما هي (صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة كي يجعل منها دستورا يتمسك به ويسير عليه ولا ريب أنه مهما بحث عن مثل أعلى في ناحية من نواحي الحياة فإنه واجد كله في حياة رسول الله ﷺ على أعظم ما يكون الوضوح والكمال ولذا جعله الله قدوة للإنسانية كلها فقال: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ - الأحزاب ٢١) كما قال الدكتور في مقدمة كتابه (ص ٧ - ٨) ولكن هل استطاع الدكتور أن يحقق الرجاء أو على الأقل أن يحصر اعتماده فيما نقله من النصوص على ما صح منها في كتب السيرة ودواوين السنة التي سماها (صحاح السنة)؟ ذلك ما أريد أن أبسط الكلام فيه الآن في هذه العجالة راجيا المولى ﷾ أن يسدد خطانا ويلهمنا الصواب والإخلاص في أقوالنا وأفعالنا
كلمة بين يدي الرسالة الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فبين يديك أيها القارئ الكريم بحوث علمية حديثية في نقد كتاب (فقه السيرة) للدكتور محمد سعيد البوطي الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة دمشق كان وضعه لطلاب السنة الثانية في الكلية وكنت نشرت هذا النقد في مجلة التمدن الإسلامي الغراء بحوثا متتابعة رجوت منها أن يجد الطلاب وغيرهم فيها (نموذجا صالحا للنقد العلمي النزيه القائم على البحث والالتزام للقواعد العلمية الصحيحة عسى أن يزيدهم ذلك عناية بدراسة الحديث الشريف دراسة علمية وبذلك يحيون ما كاد يندرس من هذا العلم العظيم بسبب اقتصار المدرسين والأساتذة على تدريسه دراسة نظرية محضة وإصدارهم على أساسها تأليفاتهم التي يؤلفونها لطلابهم أو لغيرهم غير مراعين فيها أبسط تلك القواعد العلمية من اختيار النصوص الصحيحة والأحاديث الثابتة من المصادر الموثوقة والمراجع المعتمدة مع العزو إليها وتخريجها تخريجا علميا دقيقا فترى أحدهم - وهو أستاذ هذه المادة: الحديث - يورد حديثا نبويا أو خبرا متعلقا بسيرته ﵊ أو أخلاقه يقول في تخريجه: (رواه أبو داود) أو (رواه ابن هشام في (السيرة) وهو يظن أنه بذلك قد أدى الأمانة العلمية المطوقة في عنقه وأنه نصح لطلابه هيهات هيهات فإن التزام المنهج العلمي المشار إليه في الدراسة الحديثية يوجب عليه قبل هذا التخريج المقتضب أن يدرس إسناد ذلك الحديث أو الخبر ويتتبع رجاله ويتعرف علله وأقوال أهل الاختصاص [أ]
فيه ثم يحكم عليه بما تقتضيه هذه الدراسة من صحة أو ضعف ثم يقدم خلاصتها إلى طلابه مع التخريج المذكور وإلا فمثل هذا التخريج المبتور الذي جرى عليه الأستاذ المشار إليه مما لا يعجز عنه أحد من الطلاب أنفسهم إن شاء الله تعالى) ذلك ما كنت كتبته في مقدمة رسالتي (نقد نصوص حديثية في الثقافة العامة) (١) للشيخ محمد منتصر الكتاني وهو ينطبق على الدكتور البوطي تمام الانطباق بل إن هذا زاد على الشيخ فادعى لكتابه (فقه السيرة) من الصحة ما ليس له كما كنت أشرت إلى ذلك في التعليق على المقدمة المذكورة فقلت ما نصه: (ثم وقفت على كتاب (فقه السيرة) للأستاذ الفاضل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي فرأيته نحا فيه نحو الأستاذ الكتاني فأورد فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة والمنكرة بل وما لا أصل له البتة ولكنه زاد عليه فنص في المقدمة أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث والأخبار ولكن دراستي للكتاب بينت أنها دعوى مجردة وأن جل اعتماده كان على كتاب فضيلة الشيخ محمد الغزالي: (فقه السيرة) الذي لم يقتصر الدكتور على أن يأخذ اسمه فقط بل زاد عليه فاستفاد منه كثيرا من بحوثه ونصوصه بل وعناوينه كما استفاد من تخريجي إياه المطبوع معه مع اختصار له مخل ليستر بذلك ما قد فعل وقد انتقدني في ثلاث مواطن منه تمنيت - يشهد الله - أن يكون مصيبا ولو في واحد منها ولكنه على العكس من ذلك فقد كشف بذلك كله أن هذه الشهادات العالية وما يسمونه ب (الدكتوراه) لا تعطي لصاحبها علما وتحقيقا وأدبا وإني لأرجو أن تتاح لي الفرصة لأتمكن من بيان هذا الإجمال والله المستعان) _________ (١) نشرت أولا في مجلة التمدن الإسلامي الغراء (مجلد ٣٣ و٣٤) ثم أفردت في رسالة وذلك قبل عشر سنين [ب]
ثم أتيحت لي الفرصة فبينت الإجمال المشار إليه في هذه الرسالة التي يعود الفضل الأول في نشرها للسادة القائمين على مجلة التمدن الإسلامي الغراء وبخاصة منهم الأستاذ أحمد مظهر العظمة شفاه الله وقواه فقد نشرت فيها تباعا في مقالات متسلسلة من العدد (٧ - مجلد ٤٢ - ٢ - مجلد ٤٤) ثم أفردتها في هذه الرسالة ليعم النفع بها ويطلع عليها من لم يتمكن من متابعتها في المجلة الغراء هذا وقد نمي إلي أن بعض الأساتذة رأى في ردي هذا على الدكتور شيئا من الشدة والقسوة في بعض الأحيان مما لا يعهدون مثله في سائر كتاباتي وردودي العلمية وتمنوا أنه لو كان ردا علميا محضا فأقول: إنني أعتقد اعتقادا جازما أنني لم أفعل إلا ما يجوز لي شرعا وأنه لا سبيل لمنصف إلى انتقادنا كيف والله ﷿ يقول في كتابه الكريم في وصف عباده المؤمنين: ﴿والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ... وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ... ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ... إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ... ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور﴾ فإن كل من يتتبع ما يكتبه الدكتور البوطي في كتبه ورسائله ويتحدث به في خطبه ومجالسه يجده لا يفتأ يتهجم فيها على السلفيين عامة وعلي من دونهم خاصة ويشهر بهم بين العامة والغوغاء ويرميهم بالجهل والضلال وبالتبله والجنون ويلقبهم ب (السلفيين) و(السخفيين) وليس هذا فقط بل هو يحاول أن يثير الحكام ضدهم برميه إياهم بأنهم عملاء للاستعمار. إلى غير ذلك من الأكاذيب والترهات التي سجلها عليه الأستاذ محمد عيد عباسي في كتابه القيم (بدعة التعصب المذهبي) (ص ٢٧٤ - ٣٠٠) وغيرها داعما ذلك بذكر الكتاب والصفحة التي جاءت فيها هذه الأكاذيب ومن طاماته وافتراءاته قوله في (فقه السيرة) (ص ٣٥٤ - الطبعة الثالثة) بعد أن نبزهم بلقب الوهابية: (ضل أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله [ج]
ﷺ وراحوا يستنكرون التوسل بذاته ﷺ بعد وفاته) . وهذا كأنه اجترار من الدكتور لفرية ذلك المتعصب الجائر: (إن هؤلاء الوهابيين تتقزز نفوسهم أو تشمئز حينما يذكر اسم محمد ﷺ والدكتور حين يلفظ هذه الفرية يتذكر أن الواقع - الذي هو على علم به - يكذبها فإن السلفيين وأمثالهم بفضل الله تعالى - من بين المسلمين جميعا - شعارهم اتباعهم للنبي ﷺ وحده دون سواه وهو الدليل القاطع على حبهم الخالص له الذي لازمه حبهم لله ﷿ كما قال: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ . ولعلم الدكتور بهذا الفضل الإلهي على السلفيين حمله حقده عليهم أن يحاول إبطال دلالة الآية المذكورة على ما سلف بل وعلى تضليل السلفيين مجددا لفهمهم إياها هذا الفهم الواضح وأنها تعني أن الاتباع دليل المحبة وأنها لا تنفك عنه فقال (ص ١٩٥ - الطبعة الثالثة): (ولقد ضل قوم حسبوا أن محبة رسول الله ﷺ ليس لها معنى إلا الاتباع والاقتداء وفاتهم أن الاقتداء لا يأتي إلا بوازع ودافع ولن تجد من وازع يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية. . .) وأقول: إن الذي ضل إنما هو الذي يناقض نفسه بنفسه من جهة فأول كلامه ينقض آخره لأنه إذا كان لا يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية وهو كذلك وهو الذي نعتقده ونعمل به فكيف يتفق هذا مع أول كلامه الصريح في أن المحبة لها معنى غير الاتباع؟ ولو كان الأمر كذلك وثبت الدكتور عليه لأبطل دلالة الآية والعياذ بالله تعالى ومن جهة أخرى فقد افترى علينا بقوله: (وفاتهم أن الاقتداء. . .) الخ فلم يفتنا ذلك مطلقا بحمد الله بل نعلم علم اليقين أنه كلما ازداد المسلم اتباعا للنبي ﷺ ازداد حبا له وأنه كلما ازداد حبا له ازداد اتباعا له ﷺ فهما أمران [د]
متلازمان كالإيمان والعمل الصالح تماما فهذا الحب الصادق المقرون بالاتباع الخالص للنبي ﷺ هو الذي أراد الدكتور أن ينفيه عن السلفيين بفريته السابقة فالله تعالى حسيبه ﴿وكفى بالله حسيبا﴾ ذلك قليل من كثير من افتراءات الدكتور البوطي وترهاته الذي أشفق عليه ذلك البعض أن قسونا عليه أحيانا في الرد ولعله قد تبين لهم أننا كنا معذورين في ذلك وأننا لم نستوف حقنا منه بعد ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ ولكن لن نستطيع الاستيفاء لأن الافتراء لا يجوز مقابلته بمثله وكل الذي صنعته أنني بينت جهله في هذا العلم وتطفله عليه ومخالفته للعلماء وافتراءه عليهم وعلى الأبرياء بصورة رهيبة لا تكاد تصدق فمن شاء أن يأخذ فكرة سريعة عن ذلك فليرجع إلى فهرس الرسالة هذه ير العجب العجاب هذا وهناك سبب أقوى استوجب القسوة المذكورة في الرد ينبغي على ذلك البعض المشفق على الدكتور أن يدركه ألا وهو جلالة الموضوع وخطورته الذي خاض فيه الدكتور بغير علم مع التبجح والادعاء الفارغ الذي لم يسبق إليه فصحح أحاديث وأخبارا كثيرة لم يقل بصحتها أحد وضعف أحاديث أخرى تعصبا للمذهب وهي ثابتة عند أهل العلم بهذا الفن والمشرب مع جهله التام بمصطلح الحديث وتراجم رواته وإعراضه عن الاستفادة من أهل العلم العارفين به ففتح بذلك بابا خطيرا أمام الجهال وأهل الأهواء أن يصححوا من الأحاديث ما شاءوا ويضعفوا ما أرادوا (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) وسبحان الله العظيم إن الدكتور ما يفتأ يتهم السلفيين في جملة ما يتهمهم به بأنهم يجتهدون في الفقه وإن لم يكونوا أهلا لذلك فإذا به يقع فيما هو شر مما اتهمهم به تحقيقا منه للأثر السائر: (من حفر بئرا لأخيه وقع فيه) أم أن [هـ]
الدكتور يرى أن الاجتهاد في علم الحديث من غير المجتهد بل من جاهل يجوز وإن كان هذا العلم يقوم عليه الفقه كله أو جله من أجل ذلك فإني أرى من الواجب على أولئك المشفقين على الدكتور أن ينصحوه (والدين النصيحة) بأن يتراجع عن كل جهالاته وافتراءاته وأن يمسك قلمه ولسانه عن الخوض في مثلها مرة أخرى عملا بقول نبينا محمد ﷺ: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل: كيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره) . أخرجه البخاري من حديث أنس ومسلم من حديث جابر وهو مخرج في (الإرواء) (٢٥١٥) فإن استجاب الدكتور فذلك ما نرجو و(عفا الله عما سلف) وإن كانت الأخرى فلا يلومن إلا نفسه والعاقبة للمتقين وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ... يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار﴾ وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم دمشق في ٢٧ جمادى الآخرة سنة ١٣٩٧ هـ محمد ناصر الدين الألباني [و]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد: فهذه تعليقات سريعة على أحاديث كتاب (فقه السيرة) تأليف الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في جزأين طبع دار الفكر الحديث في لبنان. قال في المقدمة: (وبعد فهذه أبحاث في فقه السيرة النبوية كنت ألقيتها محاضرات على طلاب السنة الأولى - والثانية - بكلية الشريعة في جامعة دمشق) أقول: لقد كان من أقوى الحوافز على دراسة هذا الكتاب - مع ضيق الوقت - وضعف الرغبة في قراءة مؤلفات المعاصرين - أنني رأيت مؤلفه الفاضل يقول في مقدمة الجزء الثاني منه (ص ٣): (ولقد سلكت فيه الطريقة التي سلكتها في الجزء الأول فأفردت أبحاث السيرة على شكل نصوص اعتمدت فيها أولا على صحاح السنة ثانيا على ما صح من أخبار السيرة في كتبها وأهم ما اعتمدت عليه من ذلك سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد) فلما قرأت هذا استبشرت خيرا وقلت في نفسي: إذا صدق الخبر الخبر فلا شك أن الدكتور بكتابه هذا يكون قد طرق بابا جديدا من التأليف في سيرة النبي ﷺ وهو اختيار الروايات التي صحت فيها من كتب الحديث والسيرة ولازمه الإعراض عن ذكر ما لم يصح منها على طريقة علماء الحديث ونقاده وهذا أمر هام جدا فإن ما ألف في السيرة النبوية الكريمة حتى الآن يعد بالألوف [١]
كما قال العلامة السيد سليمان الندوي في كتابه القيم (الرسالة المحمدية) (١) (ص ٦٥) ومع ذلك فإني لا أعلم في كل ما ألف من ذلك من نحا هذا المنحى من الاختيار الذي ذكر فضيلة الدكتور أنه سلكه في هذا الكتاب ولطالما راودتني نفسي أن أسلك هذا السبيل فأضع كتابا جامعا تحت عنوان (صحيح السيرة النبوية) على نحو ما جريت عليه في (صحيح سنن أبي داود) وغيره مما أنا في سبيله الآن ولكن الفرصة لم تسنح لي حتى هذه الساعة للقيام بمثل هذا الواجب فلما قرأت عبارة الدكتور السابقة ظننت أنه قد قام بالواجب وتحقق الرجاء وكيف لا يكون ذلك واجبا وسيرته ﷺ إنما هي (صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة كي يجعل منها دستورا يتمسك به ويسير عليه ولا ريب أنه مهما بحث عن مثل أعلى في ناحية من نواحي الحياة فإنه واجد كله في حياة رسول الله ﷺ على أعظم ما يكون الوضوح والكمال ولذا جعله الله قدوة للإنسانية كلها فقال: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ - الأحزاب ٢١) كما قال الدكتور في مقدمة كتابه (ص ٧ - ٨) ولكن هل استطاع الدكتور أن يحقق الرجاء أو على الأقل أن يحصر اعتماده فيما نقله من النصوص على ما صح منها في كتب السيرة ودواوين السنة التي سماها (صحاح السنة)؟ ذلك ما أريد أن أبسط الكلام فيه الآن في هذه العجالة راجيا المولى ﷾ أن يسدد خطانا ويلهمنا الصواب والإخلاص في أقوالنا وأفعالنا
1 / 1
١ - لقد استرعى انتباهي قوله تحت عنوان (مصادر السيرة النبوية) (١ / ١١):
_________
(١) وهي ثماني محاضرات في السيرة النبوية ورسالة الإسلام كان ألقاها في جامعة مدارس الهند وهي ذات فوائد هامة تدل على غزارة علم المؤلف رحمه الله تعالى وجزاه خيرا
[٢]
1 / 2
٢ - السنة النبوية الصحيحة:
وهي ما تضمنتها كتب أئمة الحديث المعروفين بصدقهم وأمانتهم كالكتب الستة وموطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد (١)
فأقول: إن ما تضمنته الكتب المذكورة وغيرها - باستثناء الصحيحين - ليس كل ما فيها من الحديث صحيحا. بل منه الصحيح والحسن والضعيف وفي بعضها الموضوع أيضا كما هو معلوم عند أهل العلم بالحديث الشريف ويأتي قريبا ذكر بعض النصوص المؤيدة لذلك مما ذكروه في (علم مصطلح الحديث) وعلى ذلك فقول الدكتور في السنة الصحيحة: (هي ما تضمنته كتب أئمة الحديث) تعميم غير صحيح ولقد وددت أن أقول: لعله سبق قلم منه وأنه لم يرد هذا العموم الظاهر منه والمعروف بطلانه بداهة وددت ذلك ولكني لم أجد في كلماته الأخرى وفي المنهج الذي جرى عليه عمليا ما يساعدني على ذلك فقد سبق قوله وهو يتحدث عن طريقته في الكتاب: (اعتمدت فيها على صحاح السنة) فقوله (صحاح) بصيغة الجمع بدل (الصحيحين والسنن الأربعة) - كما هو التعبير العلمي الصحيح - مما يشعر الباحث بأن الكتب التي تجمع الأحاديث الصحيحة فقط ليست محصورة عنده
_________
(١) ثم تبين لي أن الدكتور البوطي قلد في هذا الكلام الدكتور السباعي رحمه الله تعالى فقد قال في كتابه (مذكرات في فقه السيرة) (ص ١٠):
(تنحصر المصادر الرئيسية المعتمدة للسيرة على أربعة مصادر. . . . القرآن الكريم ثم السنة الصحيحة التي تضمنتها كتب الحديث المعترف بصدقهم والثقة بهم وهي الكتب الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه ويضاف إليها (الموطأ) للإمام مالك (ومسند الإمام أحمد) فهذه الكتب في الذروة العليا في الصحة والثقة والتحقيق أما الكتب الأخرى فقد تضمنت الصحيح والحسن وفي بعضها الضعيف أيضا)
[٣]
1 / 3
ب (الصحيحين) من بين كتب السنة. ولا يقال أيضا: (لعله سبق قلم منه) لأنني رأيته أعاد هذا القول (صحاح السنة) في مكان آخر من كتابه (ج ١ ص ١٥) وهو يعني بذلك الكتب الستة بل لعله يعني معها (الموطأ) و(المسند) فقد قرنهما معها في هذه الكلمة التي نحن في صدد نقدها ومما يؤيد ذلك قوله المتقدم: (اعتمدت) فيها أولا على صحاح السنة ثانيا على ما صح من أخبار السيرة. فهذا نص منه فيما ذكر لأنه صرح بأن أخبار السيرة فيها ما لا يصح فاعتمد هو - بزعمه - على ما صح منها
ولو كانت كتب السنة عنده مثل كتب السيرة في احتوائها على ما صح وما لم يصح ما كان به حاجة إلى هذا التقسيم والتفريق: (. . . صحاح السنة) (. . . ما صح من أخبار السيرة) ولقال مثلا: (اعتمدت فيها على ما صح من كتب السنة والسيرة) فهذا التفريق منه دليل قاطع على أنه يعني ما ذكرنا من أن السنة الصحيحة ليست مختصة ب (الصحيحين) فقط بل السنن الأربعة من صحاح السنة أيضا بزعمه فهل الأمر كذلك؟ ذلك ما سأبينه قريبا ولكني بيانا للحقيقة أقول: إن الدكتور ليس هو أول من أتى بمثل هذا الإطلاق بل هو مسبوق إليه فهذا هو العلامة سليمان الندوي يقول في كتابه (الرسالة المحمدية) ص ٦٣: (ومن الكتب المصنفة في الحديث الكتب الستة الصحاح) وهذا الإطلاق شائع في الهند جدا وسمعته كثيرا من بعض طلابها في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ومن غيرهم أيضا ثم تبعهم على ذلك فضيلة الدكتور وبنى كتابه على هذا الإطلاق فهل هو صحيح؟ والجواب: لا وهاك البيان:
إن هذا الإطلاق خطأ محض ذلك لأنه يخالف الواقع في هذه الكتب ما عدا الصحيحين كما قرره العلماء بهذا العلم في كتبهم ولقد كان له آثار خطيرة في صرف المؤلفين المحدثين عن نقد الأحاديث الواردة فيها بزعم أنها من الصحاح وهذا ما وقع فيه الدكتور نفسه فنجده يكتفي بعزو الحديث إلى بعض السنن فلا فرق عنده بين حديث رواه البخاري أو مسلم وبين آخر رواه أبو داود أو غيره من أصحاب السنن مع أن الواجب النظر في أحاديث السنن لورود
[٤]
1 / 4
الأحاديث الضعيفة فيها قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في (التقريب): (وأما تقسيم البغوي أحاديث المصابيح إلى حسان وصحاح مريدا ب (الصحاح) ما في الصحيحين وب (الحسان) ما في السنن فليس بصواب لأن في السنن الصحيح والحسن والضعيف والمنكر)
وقال السيوطي في شرحه: (ومن أطلق عليها الصحيح كقول السلفي في الكتب الخمسة (يعني الستة ما عدا ابن ماجة): (اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب) وكإطلاق الحاكم على الترمذي (الجامع الصحيح) وإطلاق الخطيب عليه وعلى النسائي اسم (الصحيح) فقد تساهل) قال في (ألفيته):
يروي أبو داود أقوى ما وجد ثم الضعيف حيث غيره فقد
والنسئي من لم يكونوا اتفقوا تركا له والآخرين ألحقوا
بالخمسة ابن ماجة قيل: ومن ماز بهم فإن فيهمو وهن
تساهل الذي عليها أطلقا صحيحة والدارمي والمنتقى
ودونها مساند والمعتلي منها الذي لأحمد والحنظلي
قلت: ولا أدل على بطلان هذا التقسيم والإطلاق من كون الترمذي نفسه قد صرح في سننه بتضعيف عشرات بل مئات الأحاديث وكشف عن عللها فكيف يصح أن يوصف كتابه ب (الجامع الصحيح) أو يحكم على كل حديث فيه بأنه حسن؟ ونحو هذا يقال في سنن أبي داود وسنن النسائي فإنهما يتكلمان على بعض الأحاديث أحيانا ويضعفانها وأما ما ضعفه العلماء من أحاديث الكتابين فحدث ولا حرج والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ومن شاء الوقوف على طائفة منها فليراجع كتبنا: (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) و(تخريج مشكاة المصابيح) وأخيرا كتابنا: (نقد نصوص حديثية للشيخ منتصر الكتاني)
وأما (الموطأ) للإمام مالك فهو مع جلالته لا يخلو من كثير من الأحاديث المرسلة والمعضلة وبعضها مما لم يوجد له أصل أصلا كحديث (إني لا أنسى ولكن
[٥]
1 / 5
أنسى) (١) وبعضها وجد له أصل عند بعض المحدثين وفيه الصحيح والضعيف فلا بد من التحري ولذلك قال السيوطي في (التدريب ص ٤): (صرح الخطيب وغيره بأن الموطأ مقدم على كل كتاب من الجوامع والمسانيد فعلى هذا هو بعد (صحيح الحاكم)
وأحصيت ما في (موطأ مالك) وما في (حديث سفيان بن عيينة) فوجدت في كل واحد منهما من المسند خمسمائة ونيف مسندا وثلاثمائة مرسلا ونيفا وفيه نيف وسبعون حديثا قد ترك مالك نفسه العمل بها وفيها أحاديث ضعيفة وهاها جمهور العلماء)
قلت: وهذا هو الصواب الذي يشهد به كل عارف بهذا العلم درس أحاديث الموطأ دراسة علمية عن كثب وكل ما قد يقال على خلافه فهو مردود بشهادة الواقع والنقد العلمي الصحيح
وأما مسند الإمام أحمد فهو لغزارة مادته تكثر فيه الأحاديث الضعيفة وهذا مما لا خلاف فيه عند أهل العلم. قال الحافظ العراقي:
(وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في جزء)
ذكره السيوطي في كتابه (ص ١٠٠) ثم نقل عن الحافظ ابن حجر أنه رد في كتابه (القول المسدد في الذب عن المسند) قول من قال بأن في المسند أحاديث موضوعة
قلت: فهذا موضع خلاف وبحث ولشيخ الإسلام ابن تيمية فيه رأي وسط لا داعي لذكره الآن والقصد بيان أن وجود الأحاديث الضعيفة في المسند أمر متفق عليه بين حفاظ الحديث وقد كشف عن ذلك كشفا عمليا دقيقا العلامة أحمد شاكر فيما علقه على المسند الجديد في طبعته رحمه الله تعالى وجزاه خيرا
_________
(١) انظر الكلام عليه وبيان أنه معارض للأحاديث الصحيحة في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) رقم (١٠١)
[٦]
1 / 6
٢ - قوله: (اعتمدت فيها أولا على صحاح السنة)
أقول: سبق بيان خطأ هذا الإطلاق (صحاح السنة) على الكتب الستة والموطأ والمسند التي اعتمد عليها فضيلة الدكتور
فأريد أن أبين الآن حقيقة أخرى ظهرت لي من تتبعي لأحاديث الكتاب وهي:
إن مجموع أحاديث الكتاب بجزأيه ما عدا أحاديث (الصحيحين) أحد عشر حديثا اثنان منهما في الجزء الأول والبقية في الجزء الآخر لمالك منها حديث واحد فقط لا غير مع أنه عزاه للبخاري فهذا يغنيه عن عزوه إليه في مثل كتابه ولأحمد ثلاثة اثنان منها ضعيفان أحدهما لا وجود له عنده في مسنده مع ضعفه والبقية لأصحاب السنن منها اثنان ضعيفان أحدهما للترمذي والآخر لأبي داود فهذا العدد الضئيل بالنسبة لحجم الكتاب مع أن ثلثه ضعيف هل يستحق التقدمة له بهذا القول: (اعتمدت فيها على صحاح السنة)؟
فإن كل من يقرأ هذا في المقدمة يتوهم أن الكتاب غني المادة من أحاديث هذه الكتب وعند التحقيق لا يجد فيها إلا هذا العدد المحدود
وأما الأحاديث الضعيفة الأربعة فهي:
الأول: قال ص ٢١٦: (وقال له بعض الصحابة: يا رسول الله ادع الله على ثقيف فقال اللهم اهد ثقيفا وأت بهم. رواه ابن سعد في (الطبقات) وأخرجه الترمذي في سننه وقد رواه ابن سعد عن عاصم الكناني عن الأشهب عن الحسن)
وعلة الحديث عنعنة أبي الزبير عند الترمذي وقد كنت خرجته في تخريج (فقه السيرة) للغزالي (ص ٤٣٢ الطبعة الرابعة) فلا أعيد القول في تخريجه
ونأخذ على الدكتور في تخريجه لهذا الحديث أمورا:
[٧]
1 / 7
أولا: عزوه لابن سعد بعد الترمذي يوهم أنه لم يخرجه من هو أعلى طبقة منه وممن اعتمدهم في كتابه وليس كذلك فقد أخرجه أحمد ولكن إسناده منقطع كما بينته في المصدر السابق
ثانيا: كان ينبغي أن يذكر في تخريجه إياه قول الترمذي فيه (حسن صحيح) لأنه أقوى لتخريجه ولعله لم يذكر ذلك اعتمادا منه على أن مجرد العزو للترمذي كاف لتصحيحه لكونه من (الصحاح) عنده نقول هذا تنبيها على الطريقة الفضلى في التخريج وإن كنت لا أوافق الترمذي على قوله هذا للعلة السابقة الذكر في إسناده
ثالثا: قوله: (رواه ابن سعد في الطبقات. . . وقد رواه ابن سعد. . .) تكرار مخل في التصنيف لا سيما وهو في التعليق الذي لا يحتمل التطويل فضلا عن التكرير
رابعا: قوله: (وقد رواه ابن سعد عن عاصم الكلابي عن الأشهب عن الحسن) . خطأ صوابه كما في أول (غزوة رسول الله ﷺ للطائف) من (طبقات ابن سعد) (٢ / ١٥٩ - طبع بيروت): وعن عمرو بن عاصم الكلابي أخبرنا أبو الأشهب أخبرنا الحسن)
خامسا: إن هذا الإسناد عند ابن سعد ليس لهذا اللفظ من الحديث بل هو بلفظ: (إن الله لم يأذن في ثقيف) . وأما لفظ الترجمة فهو عنده قبيل هذا بدون إسناد فلا فائدة حينئذ من العزو إليه
سادسا: هو باللفظ الآخر ضعيف أيضا لأنه مرسل والمرسل من قسم الضعيف عند أهل الحديث لا سيما إذا كان من مراسيل الحسن وهو البصري فقد قال فيها بعض الأئمة: (مرسلات الحسن البصري كالريح)
[٨]
1 / 8
الحديث الثاني: قال (ص ٢٣٢): (روى الإمام أحمد وغيره أن الرجلين والثلاثة كانوا يتعاقبون على بعير واحد وأصابهم عطش شديد حتى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها ويشربوا ماءها. رواه ابن سعد في طبقاته ٣ / ٢٢٠)
قلت: فيه أولا: أن إطلاق العزو لأحمد يفيد اصطلاحا (مسنده) وهذا الحديث ليس فيه ولذلك لم يورده الهيثمي في (مجمع الزوائد) ولو كان فيه لأورده لأنه على شرطه وقال الحافظ السيوطي في (الدر المنثور) (٣ / ٢٨٦): (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في (الدلائل) عن عبد الله بن محمد بن عقيل (١) أبي طالب في قوله: ﴿الذين اتبعوه ساعة العسرة﴾ قال. . .) فذكره فلو كان الحديث في (مسند أحمد) لم يدع العزو إليه إلى عزوه إلى هؤلاء الذين هم دونه وإن مما يبعد كونه عنده أنه مرسل فإن ابن عقيل هذا تابعي على ضعف فيه قال الحافظ في (التقريب): (صدوق في حديثه لين ويقال تغير بآخره من الرابعة) و(المسند) خاص بالموصول من الحديث كما هو معلوم
والدكتور قلد في هذا الإطلاق فضيلة الشيخ محمد الغزالي فهو سلفه فيه في كتابه (فقه السيرة) (ص ٤٤٠) الذي لم يتورع فضيلة الدكتور من أن يطلق هذا الاسم على كتابه أيضا وقد استفاد من
(١) الأصل: محمد بن عبد الله بن عقيل وهو خطأ صححته من (ابن سعد) وغيره
[٩]
1 / 9
تخريجنا إياه دون أن يشير إلى ذلك كله أدنى إشارة وقد كنت بيضت لهذا الحديث حين خرجت كتاب الغزالي لأني لم أجده في (المسند) وأقول الآن:
إن الحديث أورده الحافظ ابن كثير في (البداية) فقال (٥ / ٩): (قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرنا عبد الله بن محمد بن عقيل في قوله: ﴿الذين اتبعوه ساعة العسرة﴾ قال:) فذكره ورواه ابن سعد (١٧٢ - طبع بيروت) من طريق أخرى عن معمر به
ولا يقال: فما بال الحافظ ابن كثير قد أطلق العزو أيضا؟ لأننا نقول: لما ساق الحافظ الحديث بإسناده وهو مرسل كان ذلك قرينة على أنه لا يعني (مسنده) لما سبق بيانه
ثم ساق الحافظ من طريق سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن ساعة العسرة فقال عمر: فذكره بنحوه دون الآية. وقال (إسناده جيد)
قلت: وفيه عندي نظر لأن عتبة هذا أورده الحافظ في (اللسان) وقال: (له عن عكرمة ولا يتابع عليه قاله العقيلي) ووافقه الحافظ على ذلك. لكن لعله قد وثقه ابن حبان أو توبع عليه فقد قال الهيثمي في هذا الحديث (٦ / ١٩٥):
(رواه البزار والطبراني في (الأوسط) ورجال البزار ثقات)
قلت: وفيه علة أخرى وهي ابن أبي هلال قال أحمد: كان اختلط. نعم يمكن أن يقال: إن الحديث قوي بمجموع الطريقين والله أعلم
وقد رواه ابن حبان في (صحيحه) كما في (موارد الظمآن) (١٧٠٧) لكن سقط من إسناده عتبة المذكور فلينتبه
[١٠]
1 / 10
الحديث الثالث: قال (ص ٢٥٩): (وروى خبر المصالحة على الجزية (يعني مع وفد نجران) أبو داود في كتاب الخراج باب أخذ الجزية)
قلت: في إسناده أسباط بن نصر الهمداني وهو ضعيف لسوء حفظه قال الحافظ في (التقريب): (صدوق كثير الخطأ)
ومن طريق أبي داود أخرجه الضياء المقدسي في (الأحاديث المختارة مما ليس في (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم) (٥٨ / ١٨٧ / ١) فاقتضى التنبيه
الحديث الرابع: قال (ص ٢٦١) وقد ذكر حديث إسلام عدي بن حاتم مفصلا: (رواه ابن إسحاق والإمام أحمد والبغوي في معجمه بألفاظ متقاربة وانظر الإصابة للحافظ ابن حجر: ٢ / ٤٦١)
قلت: رجعت إلى (الإصابة) فرأيته قال: (وروى أحمد والبغوي في (معجمه) وغيرهما من طريق أبي عبيدة بن حذيفة قال: كنت أحدث حديث عدي بن حاتم فقلت: هذا عدي في ناحية الكوفة فأتيته فقال. . .) قلت: فذكره بنحو سياق كتاب الدكتور وأحضر منه ثم رجعت إلى (مسند أحمد) فوجدت الحديث فيه (٤ / ٣٧٨ و٣٧٩) من الوجه المذكور وأبو عبيدة هذا لم يوثقه أحد غير ابن حبان وهو لين التوثيق ولذلك لم يعتمده الحافظ في (التقريب) فقال فيه: (مقبول) يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة ولما كان الحديث لا يعرف إلا من طريقه فهو ضعيف لا سيما وهو في (الصحيح) مختصر بغير هذا السياق كما يأتي
وأما ابن إسحاق فأورده (٤ / ٢٢٧ - ابن هشام) بدون إسناد فلا فائدة من عزو الدكتور إليه لأن ابن إسحاق لو ساق الحديث بالسند إلى النبي ﷺ ولم يصرح بسماعه إياه من شيخه الذي رواه عنه لم
[١١]
يقبل منه لأنه كان مدلسا ولذلك ترى العلماء المحققين العارفين بهذا الشأن يعللون مئات الأحاديث بعنعنة ابن إسحاق وغيره من المدلسين فكيف يقبل حديثه إذا أعضله ولم يسق إسناده؟ ولست أدري إذا كان هذا مما خفي على الدكتور أم تجاهله لضرورة التأليف فقد رأيته أكثر من مثل هذا العزو الذي لا فائدة فيه وقد مضى بعض الأمثلة منه نعم قد أخرج البخاري في (المناقب) من (صحيحه) من طريق أخرى عن عدي آخر الحديث بنحوه والذي يتلخص من هذا الفصل أن الدكتور لم يكن الصواب حليفه حين أطلق: (صحاح السنة) على غير الصحيحين من الكتب المتقدمة وأننا أثبتنا له ضعف أربعة أحاديث من أصل أحد عشر حديثا عزاها إليها فكيف يكون الحال لو أن عددها كان بلغ المائة أو المئات؟ لا شك أن نسبة الضعف فيها سيرتفع بنسبة الزيادة فيها وإذا كان هذا حال أحاديثه التي نقلها من (الصحاح) بزعمه فكيف يكون حال الأحاديث الأخرى التي نقلها من كتب السيرة وقد أشار إلى أن في هذه الكتب ما لا يصح وصرح أنه إنما اعتمد على ما صح من الأخبار فيها؟ ذلك ما أريد تحقيقه في الفصل التالي إن شاء الله تعالى
يقبل منه لأنه كان مدلسا ولذلك ترى العلماء المحققين العارفين بهذا الشأن يعللون مئات الأحاديث بعنعنة ابن إسحاق وغيره من المدلسين فكيف يقبل حديثه إذا أعضله ولم يسق إسناده؟ ولست أدري إذا كان هذا مما خفي على الدكتور أم تجاهله لضرورة التأليف فقد رأيته أكثر من مثل هذا العزو الذي لا فائدة فيه وقد مضى بعض الأمثلة منه نعم قد أخرج البخاري في (المناقب) من (صحيحه) من طريق أخرى عن عدي آخر الحديث بنحوه والذي يتلخص من هذا الفصل أن الدكتور لم يكن الصواب حليفه حين أطلق: (صحاح السنة) على غير الصحيحين من الكتب المتقدمة وأننا أثبتنا له ضعف أربعة أحاديث من أصل أحد عشر حديثا عزاها إليها فكيف يكون الحال لو أن عددها كان بلغ المائة أو المئات؟ لا شك أن نسبة الضعف فيها سيرتفع بنسبة الزيادة فيها وإذا كان هذا حال أحاديثه التي نقلها من (الصحاح) بزعمه فكيف يكون حال الأحاديث الأخرى التي نقلها من كتب السيرة وقد أشار إلى أن في هذه الكتب ما لا يصح وصرح أنه إنما اعتمد على ما صح من الأخبار فيها؟ ذلك ما أريد تحقيقه في الفصل التالي إن شاء الله تعالى
1 / 11
٣ - وقال الدكتور فيما تقدم: (ثانيا: [اعتمدت] على ما صح من أخبار السيرة في كتبها وأهم ما اعتمدت عليه من ذلك سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد)
قلت: كم كنت مغتبطا لو أن الدكتور كان صادقا في قوله هذا وقبل أن أبين ما فيه أتوجه إلى فضيلته إن سمح بالسؤال الآتي: ما هي القواعد والأصول التي استندت إليها حين حكمت بالصحة على الأخبار التي أوردتها في الكتاب؟ فإن كانت هي أصولا أنت
[١٢]
1 / 12
وحدك وضعتها واصطلحت عليها فتفضل ببيانها لننظر فيها ونبين لك بطلانها مع ما في ذلك من خروجك عن اتباع الأئمة الأمر الذي تنكر ما دونه على غيرك ممن يتبع الدليل عند اختلافهم فما بالك خالفتهم جميعا؟ وإن كانت هي القواعد المعروفة في علم الحديث الشريف فاسمح لي أن أقول لك بصراحة: إنك بين أمرين:
- إما أنك على علم بها ولكنك لم تلتزمها بل لم تلتفت إليها إطلاقا لتنظر هل تنطبق على الأخبار المشار إليها أم لا؟
- وإما أنك لا علم عندك بها أصلا واستميح القراء عذرا بهذا المصارحة لأنني تألمت على هذا العلم كل الألم أن يتعدى عليه مثل الدكتور تعديا لا أعرف له مثيلا فيما علمت عشرات الأخبار لا يمكن أن تكون صحيحة على وفق القواعد العلمية ومع ذلك يقدمها إلى الطلاب على أنها أخبار صحيحة فإلى الله المشتكى وإليك الأخبار التي عزاها إلى بعض المصادر التي ذكرها في كلمته السابقة صراحة وإشارة مما لا يصح إسناده وأما الأخبار التي أطلقها ولم يعزها إلى أحد فلم أجد فائدة كبرى في إضاعة الوقت باستقصائها وبيان ما لا يصح منها فأقول:
الخبر الأول: قال (١ / ٣٦): (قال ﵇ فيما يرويه عن نفسه: (ما هممت بشيء مما كانوا في الجاهلية يعملونه غير مرتين كل ذلك يحول الله بيني وبينه ثم ما هممت به حتى أكرمني الله بالرسالة قلت ليلة للغلام الذي يرعى معي بأعلى مكة: لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب فقال: أفعل فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفا فقلت: ما هذا؟ فقالوا: عرس فجلست أسمع فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا حر الشمس. . . ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ودخلت مكة مثل أول ليلة ثم ما همت بعده بسوء)
[١٣]
1 / 13
رواه ابن الأثير ورواه الحاكم عن علي ابن أبي طالب وقال عنه صحيح على شرط مسلم ورواه الطبراني من حديث عمار بن ياسر)
قلت: هذا الحديث ضعيف واغترار الدكتور بتصحيح الحاكم له على شرط مسلم مما يدل على أنه لا علم عنده بتساهل الحاكم في التصحيح في كتابه (المستدرك) كما هو معلوم لدى المشتغلين بهذا العلم الشريف وكتب المصطلح طافحة بالتنبيه على ذلك قال السيوطي في ألفيته:
(وكم به تساهل حتى ورد فيه مناكر وموضوع يرد)
ولذلك وضع عليه الحافظ الذهبي كتابه (التلخيص) وتعقبه في مئات الأحاديث الموضوعة التي رواها الحاكم في (المستدرك) على أنه يشايعه أحيانا على تصحيح بعض الأحاديث ويكون قد نص في بعض كتبه الأخرى على ضعفها
ولهذا الإسناد علتان شرحتهما في (تخريج فقه السيرة للغزالي) (ص ٣٢ - ٣٣) ونقلت هناك عن الحافظ ابن كثير أنه قال: (وهذا حديث غريب جدا وقد يكون عن علي نفسه يعني موقوفا عليه) وأما حديث الطبراني عن عمار ففيه جماعة لا يعرفون كما قال الهيثمي في (المجمع) وذكرته في (التخريج) المذكور (١) والدكتور عافانا الله تعالى وإياه قد وقف عليه ومنه لخص تخريجه للحديث إلا قوله: (رواه ابن الأثير) فهو من عنده ويعني من تاريخه وأنا أترفع عن مثل هذا العزو لأنه ليس من شيمة المحققين الاعتماد على الأخبار المرسلة والمعضلة التي ترسل إرسالا بدون إسناد لا سيما إذا كان مثل هذا الحديث الذي لا يتفق مع كماله ﷺ وعصمته على الرغم مما وجهه به
_________
(١) وأزيد هنا فأقول: إن حديث عمار مخالف لحديث علي فإن فيه: (. . . على معاديه أما أحدهما فغلبتني عيني وأما الآخر فحال بيني وبينه سامر قومي)
[١٤]
1 / 14
حضرة الدكتور (ص ٣٩ - ٤٠) وتأوله به فإن التأويل فرع التصحيح ونحن بحاجة أن نسد بعض الثغرات التي ينفذ منها المغرضون على اختلاف مذاهبهم بالنقد العلمي الحديثي الصحيح فإذا لم يصح الحديث فلا مبرر حينئذ للتأويل اتفاقا
الثاني: قال (١ / ٦٠): (ولذا روي أن النبي ﷺ قال بعد نزول الآية: لا أشك ولا أسأل. رواه ابن كثير عن قتادة)
كذا قال الدكتور المسكين: (رواه ابن كثير) ومتى كان ابن كثير راوية؟ فإن قول المرء: رواه فلان معناه عند العلماء بإسناده ولذلك لا يجوز عندهم أن يقال: (رواه البخاري) في حديث عنده لم يسق إسناده بل يقول إشارة إلى ذلك: (رواه البخاري معلقا) ففي قول الدكتور هذا إيهام للقارئ الذي لا علم عنده بطريقة ذكر ابن كثير للحديث أنه رواه بإسناده فالصواب أن يقال: (قال ابن كثير: قال قتادة: بلغنا أن رسول الله ﷺ قال) . فذكره لأنه هو الذي قاله ابن كثير ولا إيهام فيه بل فيه التصريح بأن قتادة بلغه الحديث ولم يسمعه من أحد من الصحابة فهو مرسل فهو ضعيف
وقد أخرجه ابن جرير في (تفسيره) (١١ / ١١٦) من طريقين عن قتادة فهو ثابت عنه مرسلا
نعم قد روي موصولا فأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في (المختارة) عن ابن عباس رضي الله عن هما: ﴿فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك﴾: لم يشك رسول الله ﷺ ولم يسأل. ذكره في (الدر المنثور) (٣ / ٣١٧)
قلت: وهذا مع كونه يختلف بعض الشيء عن مرسل قتادة فإن في هذا إخبارا من ابن عباس أن النبي ﷺ لم يشك ولم يسأل وفي المرسل أن النبي ﷺ قال عن نفسه: (لا أشك ولا أسأل) . أقول: مع هذا الاختلاف في اللفظ فإني
[١٥]
1 / 15
لا أدري حال إسناد هذا الموصول وإن مما يؤسف له أن المصادر التي عزي الحديث إليها لا يوجد شيء منها مطبوعا ولا مخطوطا اللهم إلا (المختارة) للضياء المقدسي فيوجد منها مجلدات بخط المؤلف رحمه الله تعالى لا تزال محفوظة في المكتبة الظاهرية المحروسة وهي مرتبة على مسانيد الصحابة فرجعت إلى مسند ابن عباس منه البالغ عدد صفحاته نحو (٤٦٠) فمررت عليها كلها باحثا عن هذا الحديث فلم أعثر عليه مع الأسف الشديد ولعله قد أودعه على هامش بعض الصفحات التي كان يستدرك عليها ما قد فاته ويكتبها بخط دقيق أو في بعض الورقات المستدركة والضائعة
نعم وجدت فيه (٦١ / ٢٦٦ / ١) حديثا آخر يرويه من طريق أبي داود وهذا في (سننه) (٢ / ٣٣١) بإسناد جيد عن ابن عباس من رواية أبي زميل قال: (سألت ابن عباس فقلت: ما شئ أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله لا أتكلم به قال: فقل لي: أشيء من شك؟ قال: وضحك قال: ما نجا من ذلك أحد حتى أنزل الله ﷿ (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك. . . الآية) قال: فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئا فقل ﴿هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم﴾) وهذا كما ترى غير الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه وأستبعد جدا أن يكون السيوطي عناه فيما عزاه للضياء والله أعلم
الثالث: قال (١ / ٩٧ - ٩٨): (وفد إلى رسول الله ﷺ أول وفد من خارج مكة. . . وكانوا بضعة وثلاثين رجلا من نصارى الحبشة جاءوا مع جعفر بن أبي طالب. . . فنزل في حقهم قوله تعالى: ﴿الذي آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون. . .﴾ رواه ابن إسحاق ومقاتل والطبراني عن سعيد بن جبير وانظر ابن كثير والقرطبي والنيسابوري)
[١٦]
1 / 16
قلت: هذه مراسيل كلها وليس فيها شيء مسند وابن إسحاق لما رواه في السيرة (٢ / ٣٢ - ابن هشام) علقه تعليقا ولم يذكر له إسنادا والروايات على إرسالها مختلفة أشد الاختلاف في تعيين من نزلت الآيات المذكورة في حقهم وفي عددهم كما تراه في بعض المصادر التي أمر الدكتور بالرجوع إليها مثل تفسير القرطبي (١٣ / ٢٩٦) وخير منه في هذا (الدر المنثور) للسيوطي (٥ / ١٣١ - ١٣٣) ورواية الطبراني عن سعيد بن جبير لم يذكرها الهيثمي في (المجمع) (٧ / ٨٨) فالله أعلم بصحة هذا العزو وقد رواها ابن أبي حاتم عن سعيد كما في (الدر) وهي مع كونها مرسلة فهي مغايرة لرواية الكتاب وهذه في الحقيقة لابن إسحاق لكن عنده أن عددهم عشرون رجلا ثم إن من الغريب أن يجزم الدكتور بأن الآيات المذكورة نزلت في حق أولئك الأحباش ويعزو ذلك لابن إسحاق مع أن هذا لم يجزم بذلك فقد قال قبل قوله: (فنزل في حقهم. . .): (ويقال: إن النفر من النصارى من أهل نجران فالله أعلم أي ذلك كان)
ثم هو لم يجزم أيضا - خلافا للدكتور - بأن الآيات نزلت فيهم فقد أتبع قوله السابق بقوله:
(فيقال - والله أعلم - فيهم نزلت هؤلاء الآيات ﴿الذين آتيناهم الكتاب. . .﴾) وهكذا ذكره ابن كثير في (تفسيره) عن ابن إسحاق
فكيف استجاز الدكتور الجزم أولا بأن الآيات نزلت في أولئك الأشخاص وليس في ذلك إسناد صحيح؟ وثانيا كيف ينسب ذلك إلى ابن إسحاق وهو قد شك في ذلك ولم يجزم؟ أهكذا يكون صنيع من يقول: (اعتمدت على ما صح من أخبار السيرة) . أفهذا وذاك وما يأتي مما صح. . يا فضيلة الدكتور؟ فإلى
[١٧]
1 / 17
الله المشتكى من هذا الجهل الفاضح بالأصل الثاني من الشرع ولا حول ولا قوة إلا بالله
الرابع: قال (١ / ١٠١) بعد أن ذكر وفاة خديجة وعمه أبي طالب في العام العاشر من بعثته ﷺ: (ولقد أطلق النبي ﷺ على هذا العام اسم (عام الحزن) لشدة ما كابد فيه من الشدائد في سبيل الدعوة)
قلت: من أي مصدر من المصادر الموثوقة أخذ الدكتور هذا الخبر وهل إسناده - إن كان له إسناد - مما تقوم به الحجة؟ فإني بعد مزيد البحث عنه لم أقف عليه وإنما أورده الشيخ الغزالي في كتابه (فقه السيرة) بدون عزو ولعل الدكتور قلده في ذلك مع أن الغزالي حفظه الله تعالى لم يدع ما ادعاه الدكتور: (أنه اعتمد على (صحاح السنة) و(على ما صح من أخبار كتب السيرة) فلا يرد عليه ما يرد على الدكتور وإن كان من المنهج العلمي الصحيح يوجب الاعتماد على ما صح من الأخبار وإلا فعلى الأقل ذكر الخبر مع المصدر الذي يمكن الباحث من التحقق منه وهذا ما يصنعه المحققون من أهل العلم بطرق التخريج والنقد مثل الحافظ ابن كثير وغيره خلافا للدكتور وأمثاله من المؤلفين النقلة القماشين الجماعين فهو مع جزمه بصحة هذا الخبر بقوله: (ولقد أطلق. . .) لا يذكر على الأقل مصدره فمن أين عرف صحته؟ إذن هذه الصحة وغيرها مجرد دعوى أو هوى من الدكتور ليس إلا
ومما يدل على ذلك أن المصدر الوحيد الذي رأيته قد أورده إنما هو القسطلاني في (المواهب اللدنية) فلم يزد على قوله: (فيما ذكره صاعد) وصاعد هذا هو ابن عبيد العجلي كما قال الزرقاني في شرحه عليه (١ / ٢٤٤) فما حال صاعد هذا؟ إنه مجهول لا يعرف ولم يوثقه أحد بل أشار الحافظ إلى أنه لين الحديث إذا لم يتابع كما هو حاله في هذا الخبر على أن قول القسطلاني: (ذكره
[١٨]
1 / 18
صاعد) يشعر أنه ذكره معلقا بدون إسناد فيكون معضلا فيكون الخبر ضعيفا لا يصح حتى ولو كان صاعد معروفا بالثقة والحفظ وهيهات هيهات
الخامس: ذكر (١ / ١٠٥ - ١٠٧) قصة ذهابه ﷺ إلى الطائف ودعوته لثقيف وشجهم رأسه الشريف بالحجارة ودعائه ﷺ: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. . .) وقصته مع عداس النصراني وانكباب عداس عليه ﷺ يقبل رأسه ويديه وقدميه. وذكر مصدرا لها (طبقات ابن سعد وتهذيب السيرة لابن هشام)
قلت: أما (الطبقات) فلم يذكر من القصة كلها إلا أحرفا يسيرة ومع ذلك فهو عنده (١ / ٢١١ - ٢١٢) من قول محمد بن عمر بغير إسناد وغالب الظن أن الدكتور لا يعلم أن ابن عمر هذا هو الواقدي المتروك كما يأتي
وأما (تهذيب السيرة) فقد ذكره (٢ / ٦٠) من طريق ابن إسحاق بإسناد له مرسل إلا الدعاء فلم يسق له سندا فقد قال: (فلما اطمأن رسول الله ﷺ قال - فيما ذكر لي -: اللهم. . .)
وقد أخرج القصة باختصار - وفيه الدعاء - الطبراني بإسناده عن ابن إسحاق بسنده عن عبد الله بن جعفر وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه ولذلك ضعفت الحديث في (تخريج الفقه) (ص ١٣٢) والدكتور على علم بذلك فلا هو يستفيد من مثل هذا التحقيق هناك ولا هو يأتي بما ينافيه لينظر فيه وإنما يكتفي بمجرد العزو للمصدرين السابقين وهو يعلم أن فيهما ما لا يصح ثم هو يزعم أنه اعتمد على ما صح فيهما
السادس: قال (١ / ١٠١): (يقول ابن هشام: ودخل رسول الله ﷺ بيته والتراب على رأسه فقامت إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله ﷺ يقول لها: لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك)
[١٩]
1 / 19
قلت: أخرجه ابن هشام في (السيرة) (٢ / ٥٨) من طريق ابن إسحاق بسنده الصحيح عن عروة بن الزبير قال: فذكره وعروة تابعي لم يدرك الحادثة فهو مرسل والمرسل من أقسام الحديث الضعيف عند المحدثين ولعل الدكتور يعلم ذلك فلا يكون الخبر حينئذ مما صح عنده فلماذا أورده وليس على شرطه؟ أو لعله يظن أن عروة صحابي كأخيه عبد الله بن الزبير وما ذلك ببعيد عن معرفته بهذا العلم الشريف ومنه تصديره إياه بقوله: (يقول ابن هشام) فإن هذا إنما يقال عند أهل العلم فيما كان معلقا بدون إسناد كما سأبينه في الحديث الآتي والواقع هنا أن ابن هشام قد ذكر إسناده كما رأيت فالتصدير المذكور خطأ واضح والصواب: (روى ابن هشام) وروى ابن سعد وهكذا
الحديث السابع: قال (١ / ١٢٤): (يقول ابن سعد في طبقاته ج ١ ص ٢٠٠ و٢٠١: كان رسول الله ﷺ يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج. . . ويقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا العرب وتذل لكم العجم وإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة وأبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه. . .)
قلت:
فيه أولا: أن تصديره لهذا الحديث بقوله (يقول ابن سعد) يشعر في اصطلاح المحدثين أنه حديث معلق عند ابن سعد يعني أنه لم يسق إسناده وليس الأمر كذلك كما يأتي ومن المعروف عند أهل العلم أن في صحيح البخاري كثيرا من الأحاديث المعلقة عن النبي ﷺ أو بعض أصحابه فإذا أراد طالب العلم أن ينقل شيئا من هذه الأحاديث فلا يقول فيها: (روى البخاري) لأن هذا التعبير خاص بالأحاديث المسندة وإنما يقول: (قال البخاري: قال رسول الله ﷺ. . . أو كان رسول الله ﷺ. . .) ولا يقول في هذا الجنس (روى البخاري) كما ذكرنا إلا أن يقيد ذلك بقوله (روى البخاري معلقا) كما أنه لا يقول في الجنس المسند من الأحاديث قال البخاري: قال رسول الله ﷺ لأنه يوهم أنه من المعلقات عنده وهذا ما وقع فيه حضرة الدكتور بتصديره
[٢٠]
1 / 20