Defense of the Companion Abu Bakra and His Narrations and Arguments for Preventing Women from Governing Men
الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال
ناشر
بدون ناشر فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية
ایڈیشن نمبر
الأولى ١٤٢٥هـ
پبلشر کا مقام
الرياض
اصناف
مقدمة
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي جعل أمة نبينا محمد ﷺ خير الأمم، وشرف أول قرن فيها بصحبة سيد العرب والعجم، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له الأعلى الأجل الأكرم، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
أما بعد:
فقد فوجئت بما لم يكن يخطر لي ببال ولا يقع في خيال، عندما سمعت أنَّ الشيخ محمد بن سليمان الأشقر - وفَّقَه الله لما فيه الخير والسلامة من الشرِّ - قدح في الصحابي الجليل: أبي بكرة ﵁ وفي مروياته التي انفرد بها عن غيره من الصحابة في صحيح البخاري وغيره، وفي مقدمتها حديثه عن النبي ﷺ: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، فاستبعدت صدور ذلك منه، ولم أصدق بذلك، ثم وصل
1 / 3
إليَّ صورة من مقال له نشر في صحيفة الوطن الكويتية، بتاريخ: ٢٩/٥/٢٠٠٤م بعنوان "نظرة في الأدلة الشرعية حول مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية ونحوها".
وأكد صحّة نسبة هذا المقال إليه، بمكالمة هاتفية أجرتها الصحيفة معه نشرتها بتاريخ: ٣١/٥/٢٠٠٤م، فاتصلت به هاتفيًا أعتب عليه هذه الجرأة، والإقدام على شيء لم يسبقه إليه أحد طيلة القرون الماضية، ورجوت منه بإلحاح أن يرجع عن هذا الذي انفرد به عن علماء المسلمين سلفًا وخلفًا، وسبب قدحه في أبي بكرة ﵁ ثم في مروياته التي انفرد بها؛ أنَّ عمر ﵁ جلده واثنين معه لشهادتهم على المغيرة بن شعبة بالزنى، وكونه ﵁ لم يتب، وذكرت له ما بينه العلماء من أنَّ أبا بكرة شاهد ولم يكن قاذفًا، وفرق بين الشاهد والقاذف، وقد اتفق العلماء سلفًا وخلفًا على قبول مروياته، ولم يُنقل الطعن فيها عن أحد قبله، ثم إني بعثت إليه كتابًا أكدت عليه فيه إلحاحي برجاء الرجوع عما صدر
1 / 4
منه، وأرفقت به أوراقًا مشتملة على شيء من كلام العلماء في فضل أبي بكرة والثناء عليه، وفي قبول مروياته وعدم ردّ شيء منها، ولا زلت آمل رجوعه إلى الحق.
وحاصل ما اشتمل عليه المقال، رميه أبا بكرة ﵁ بالكذب، وزعمه أنَّ صحيح البخاري مشتمل على ما هو موضوع مكذوب على رسول الله ﷺ، وهذا القدح الخطير في أبي بكرة ﵁ وفي صحيح البخاري، كله من أجل تسويغ وتجويز أن تتولى المرأة الولاية العامة، وهي وسيلة سيئة إلى غاية سيئة، فأبو بكرة ﵁ بريء مما رماه به من الكذب، وصحيح البخاري خال مما زعم وجوده فيه من الموضوع المكذوب على النبي ﷺ، والغاية التي قصدها باطلة بالكتاب والسّنّة والإجماع، وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٤/٣٦٤) عن رجل من الحنفية قدح في حديث المصراة بأنَّه من رواية أبي هريرة وأنَّه لم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفًا للقياس الجلي، قال: "وهو كلام آذى قائله به نفسه، وفي
1 / 5
حكايته غنى عن تكلف الرد عليه"، وكلام هذا الحنفي في أبي هريرة أسهل بكثير من كلام الشيخ محمد الأشقر في أبي بكرة، والشيخ محمد الأشقر من أهل العلم والفضل عرفته قبل أربعين سنة حين كان مدرِّسًا بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وهذا الذي حصل منه في أبي بكرة ﵁ ومروياته سقطة شنيعة، لا يجوز أن يتابَع عليها ولا أن يُغترَّ بها، ويجب الحذر منها.
وهذا ردّ يشتمل - بعد إيراد مقاله - على ما يلي:
أولًا: فضل أبي بكرة ﵁ وثناء العلماء عليه.
ثانيًا: قبول العلماء مرويات أبي بكرة ﵁ وأنَّ ما حصل له لا تأثير له في روايته.
ثالثًا: سلامة ما في صحيح البخاري من الانتقاد مما دون الوضع.
رابعًا: ذكر الأدلة على أنَّ المرأة ليست من أهل الولاية العامة، ولا ما دونها من الولاية على الرجال.
خامسًا: التعليق على جمل من المقال.
1 / 6
الباب الأول: مقال الشيخ محمد الأشقر
...
مقال الشيخ محمد الأشقر
نظرة في الأدلة الشرعية حول مشاركة المرأةفي الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية ونحوها
إنَّ أهم مستند يستند إليه من يدعون أن الشرع الإسلامي يمنع من مشاركة المرأة في الميادين المتقدمة هو الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري ح (٤٤٢٥) و(٧٠٩٩)، وأخرجه أيضا الإمام أحمد في مسنده برقم (٢٠٤٣٨) و(٢٠٤٠٢) و(٢٠٤٥٥)، كلاهما عن أبي بكرة ﵁ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة"، هذا لفظ البخاري، وعند أحمد: "لا يفلح قوم تملكهم امرأة"، هذا الحديث هو المستند الرئيسي لكلِّ من يتكلم في هذا الأمر، ولم يرد هذا الحديث من رواية أي صحابي آخر غير أبي بكرة.
وتصحيح البخاري وغيره لهذا الحديث وغيره من
1 / 7
مرويات أبي بكرة ﵁ هو أمر غريب لا ينبغي أن يقبل بحال، والحجّة في ذلك ما عرف في كتب التاريخ الإسلامي كما عند الطبري وابن كثير وغيرهما، أنَّ أبا بكرة قذف المغيرة بن شعبة بالزنى، ووصل الخبر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأمر بحضور الرجلين من الكوفة إليه في المدينة، فسألهما عن ذلك وطلب عمر ﵁ من أبي بكرة أن يأتي بشهوده على ما ادعاه، فلم تتم الشهادة التي هي كما قال الله تعالى أربعة شهود، قال الله ﵎: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور:٤]، فحكم على من يقذف امرأة محصنة والرجل المحصن مثلها بثلاثة أحكام: الأول: أن يجلد ثمانين جلدة، والثاني: أن تسقط شهادته فلا تقبل شهادته بعد ذلك على شيء، والثالث: أنَّه محكوم عليه بالفسق، وتمام الآية: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ .
1 / 8
ولذلك جلد عمر ﵁ أبا بكرة ثمانين جلدة حد القذف بالزنى، ثم قال له: تب أقبل شهادتك، فأبى أن يتوب وأسقط عمر ﵁ بعد ذلك شهادته، فكان أبو بكرة بعد ذلك إذا استشهد على شيء يأبى أن يشهد ويقول: إن المؤمنين قد أبطلوا شهادتي.
وقد قال الله تعالى في آية لاحقة: ﴿لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور:١٣]، أي أنَّهم في حكم الله تعالى كاذبون لا يثبت بقولهم حق، هكذا حكم الله تعالى على من قذف محصنًا وهذا منطبق على أبي بكرة، فإن الآية تدمغه بالفسق وبالكذب، وهذا يقتضي رد ما رواه عن النبي ﷺ مما انفرد به كهذا الحديث العجيب: "لن يفلح قوم تملكهم امرأة"، فينبغي أن يضم هذا الحديث إلى الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي ﷺ، على أنا نقول جدلًا: لو صح هذا الحديث افتراضًا جدليًا لكان حجة فقط في منع أن تتولى المرأة الملك أو رئاسة الدولة، ولا يصلح حجة لمنع
1 / 9
أن تتولى المرأة القضاء أو إمارة قرية أو مدينة، فليس معنى كون الرجل لا يصلح أن يكون ملكا أنَّه لا يصلح أن يكون قاضيا أو أمير مدينة أو قرية أو يكون رئيس دائرة أو وزيرا أو رئيس وزراء أو نائبا في البرلمان، من احتج بهذا الحديث على ذلك فهو مخطىء خطأ كبيرا بل إنني أعتبره يسيء الفهم جدا، على أنَّ مما يدلُّ على بطلان هذا الحديث أنَّه يقتضي أنَّه لا يمكن أن يفلح قومٌ تتولى رئاسة دولتهم امرأة في حال من الأحوال، ومعنى هذا أنَّه لو وُجدت امرأة على رأس إحدى الدول ونجحت تلك الدولة في أمورها الدنيوية، فيكون ذلك دالًاّ على أنَّ هذا الحديث كذبٌ مكذوب على النبي ﷺ، وقد وُجد في العصور الحديثة دولٌ كثيرة تولَّت رئاستها نساءٌ، ونجحت تلك الدول نجاحات باهرة تحت رئاسة النساء، نذكر من ذلك رئاسة أنديرا غاندي للهند ورئاسة مارغريت تاتشر لبريطانيا، وغيرهما كثير في القديم والحديث، وإنما قلنا في الأمور الدنيوية لأنَّ الحديث ورد على ذلك.
1 / 10
ففي رواية البخاري قال أبو بكرة: "لما بلغ رسول الله ﷺ أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى" قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
بل أقول إن القرآن العظيم قد نقل قصة قوم ملكتهم امرأة، وروى القرآن العظيم أنها نجحت أيما نجاح، وهي ملكة اليمن التي وردت قصتها في القرآن العظيم وأنَّ سليمان جاءه طيره الهدهد فقال: ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل:٢٢-٢٣]، وأنَّ سليمان ﵇ أرسل إليها كتابا يدعوها إلى الإسلام وأن تأتي إليه مقرة بذلك.
فأحسنت التدبير كل الإحسان فاستشارت رجال دولتها وبذلك ضمنت ولاءهم وطاعتهم لقراراتها، وأرسلت إلى سليمان ﵇ هدية تستجلب بها وده، فرفض الهدية وأصر على أن يصله منها ومن قومها الطاعة والإذعان، فكان عاقبة ذلك أن سارت بنفسها ومن معها
1 / 11
إلى سليمان ﵇ في مدينة القدس، فذكرت الآيات القصة إلى أن قالت: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل:٤٤]، فآل أمرها إلى هذه العاقبة الجميلة (اقرأ القصة في سورة النمل ٢٣ - ٤٤) .
فأي ثناء أثناه الله تعالى على هذه الملكة وعلى النجاح الذي وصلت إليه بحنكتها ودهائها وحسن تقديرها للأمور، حيث استطاعت تجنيب قومها وبلادها من إفساد الجيوش الغازية وإذلالهم لقومها، ولهذا نقل ابن كثير في تفسيره عن قتادة قال: رحمها الله ورضي عنها ما كان أعقلها في إسلامها وفي شركها، يعني حيث أخرجت قومها من عبادة الشمس إلى عبادة الله تعالى.
هذا وإن في مشاركة المرأة في المجالس النيابية خيرًا كثيرًا من حيث مشاركتها في الشورى في الأمور العامة، خاصة وأنَّ النساء يلتفتن أكثر من الرجال إلى الأمور
1 / 12
الخاصة بالبيوت والأسر والأطفال، وعلى مجلس الأمة قبل أن يتيح للنساء المشاركة في الترشيح والانتخاب أن يضع الضوابط الشرعية لمنع الانفلات المخالف للشرع قدر الإمكان، والله تعالى المسؤول أن يوفق العاملين لمصلحة البلاد إلى ما فيه خيرها وأن يجنبهم المزالق والأضرار.
1 / 13
الباب الثاني: فضل أبي بكرةرضي الله عنه وثناء العلماء عليه
...
فضل أبي بكرة ﵁ وثناء العلماء عليه
أبو بكرة: هو نفيع بن الحارث، وقيل ابن مسروح الثقفي، تدلّى من حصن الطائف ببكرة، فقيل له أبو بكرة، واشتهر بها، وكان عبدًا فأعتقه النبي ﷺ وعُدّ من مواليه، وكانت وفاته في خلافة معاوية سنة (٥٢هـ)، وكل ما جاء من ثناء على الصحابة، ﵄ فأبو بكرة ﵁ داخل فيه، وجاء عن جماعة من العلماء الثناء عليه على سبيل الخصوص، ومن ذلك:
١- قال الحسن البصري ﵀: "لم ينزل البصرة من الصحابة ممن سكنها أفضل من عمران بن حصين وأبي بكرة" (الاستيعاب مع الإصابة ٤/٢٤) .
٢- وقال سعيد بن المسيب: "وكان مثل النصل من العبادة حتى مات ﵀" (الاستيعاب مع الإصابة ٤/٢٤) .
٣- وقال أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي: "لم
1 / 14
يسكن البصرة قط بعد عمران بن حصين أفضل من أبي بكرة، وكان أقول بالحق من عمران" ذكره علاء الدين مغلطاي في (إكمال تهذيب الكمال ١٢/٧٦) .
٤- وقال ابن سعد في الطبقات (٧/١٦): "وكان رجلًا صالحًا ورعًا".
٥- وقال ابن عبد البر وابن حجر: "وكان من فضلاء الصحابة" (الاستيعاب مع الإصابة: ٤/٢٤)، و(الإصابة: ٦/٢٥٢) .
٦- وقال أبو الحسن العجلي: "كان من خيار أصحاب النبي ﷺ" ذكره المزي في ترجمته في (تهذيب الكمال) .
٧- وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: (١/١٩٨): "وكان أبو بكرة من الفضلاء الصالحين، ولم يزل على كثرة العبادة حتى توفي".
٨- وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: (٣/٦): "وكان من فقهاء الصحابة".
1 / 15
٩- وقد قسم ابن القيم في إعلام الموقعين: (١/١٢) أئمة الفتوى من الصحابة إلى مكثرين ومتوسطين ومقلين، وذكر في المتوسطين في الفتوى أبا بكرة ﵁.
١٠- وقال ابن كثير في (البداية والنهاية:١١/٢٤٩): "وأما أبو بكرة، فصحابي جليل كبير القدر".
١١- وقال يحيى بن أبي بكر العامري في الرياض المستطابة (ص:٢٨٣): "وكان أبو بكرة من ذوي المزايا من أصحاب رسول الله ﷺ".
الباب الثالث: قبول العلماء مرويات أبي بكرة ﵁ وأن ماحصل له لاتأثير له في روايته ... قبول العلماء مرويات أبي بكرة ﵁، وأنَّ ما حصل له لا تأثير له في روايته أجمع علماء المسلمين سلفًا وخلفًا طيلة أربعة عشر قرنًا وزيادة على قبول مرويات أبي بكرة ﵁، وأثبتها علماء الحديث في دواوين السّنّة، ومنهم الأئمة الستّة، البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وله في هذه الكتب الستة خمسة وخمسون حديثًا، ذكر أطرافها
الباب الثالث: قبول العلماء مرويات أبي بكرة ﵁ وأن ماحصل له لاتأثير له في روايته ... قبول العلماء مرويات أبي بكرة ﵁، وأنَّ ما حصل له لا تأثير له في روايته أجمع علماء المسلمين سلفًا وخلفًا طيلة أربعة عشر قرنًا وزيادة على قبول مرويات أبي بكرة ﵁، وأثبتها علماء الحديث في دواوين السّنّة، ومنهم الأئمة الستّة، البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وله في هذه الكتب الستة خمسة وخمسون حديثًا، ذكر أطرافها
1 / 16
المزي في تحفة الأشراف من رقم (١١٦٥٤) إلى رقم (١١٧٠٨)، وله في مسند الإمام أحمد اثنان وخمسون ومائة حديث بالمكرر، من رقم (٢٠٣٧٣) إلى رقم (٢٠٥٢٤)، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (١/١٩٨): "رُوي له عن رسول الله ﷺ مائة حديث واثنان وثلاثون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم منها على ثمانية أحاديث، وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بحديث".
وأما جلد أبي بكرة ﵁ في شهادته على المغيرة ﵁ بالزنى، وكونه لم يتب، فذلك لا تأثير له في قبول روايته، لأنَّه لم يكن قاذفًا وإنما كان شاهدًا، وفرق بين الشاهد في الزنى والقاذف فيه، وما زعمه من أنَّ آية: ﴿لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾، تدمغه بالفسق والكذب، وأنَّ هذا يقتضي ردّ ما رواه عن النبي ﷺ مما انفرد به، فهو زعم باطل وفهم خاطئ، فإنَّ الآية في القذفة وليست في الشهود، فهو داخل في الشهداء في الآية وليس من القذفة،
1 / 17
وجلده لعدم كمال النصاب، وعدم توبته لا تأثير له في قبول روايته؛ لأنَّ كمال النصاب ليس من فعله، وعلى القول بتأثير ما حصل له في شهادته تحمُّلًا وأداءً، فإنَّ ذلك قد انتهى بوفاته ﵁، ولا تأثير له في روايته التي قبلها العلماء واحتجُّوا بها على مختلف العصور، وشذوذ الشيخ محمد الأشقر عنهم بعد أربعة عشر قرنًا وجوده مثل عدمه لا اعتبار له، وقد أوضح ذلك العلماء وبينوه، ومما جاء عنهم في ذلك:
١- قال أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي في كتابه (الواضح في أصول الفقه:٥/٢٧): "قال أحمد: ولا يرد خبر أبي بكرة ولا من جُلد معه لأنَّهم جاؤوا مجيء الشهادة، ولم يأتوا بصريح القذف، ويسوغ فيه الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد".
ثم قال ابن عقيل: "ولما نص على أنَّه لا ترد الشهادة في ذلك، كان تنبيهًا على أنَّه لا يرد الخبر، لأنَّ الخبر دون
1 / 18
الشهادة، ولأنَّ نقصان العدد معنى في غيره، وليس بمعنى من جهته".
٢- قال أبو بكر الإسماعيلي في (المدخل): "لم يمتنع أحد من التابعين فمن بعدهم من رواية حديث أبي بكرة والاحتجاج به، ولم يتوقف أحد من الرواة عنه ولا طعن أحد على روايته من جهة شهادته على المغيرة، هذا مع إجماعهم أن لا شهادة لمحدود في قذف غير تائب فيه، فصار قبول خبره جاريًا مجرى الإجماع، كما كان رد شهادته قبل التوبة جاريًا مجرى الإجماع" ذكره علاء الدين مغلطاي في (إكمال تهذيب الكمال: ١٢/٧٧) .
٣- قال أبو إسحاق الشيرازي في (شرح اللمع: ٢/٦٣٨): "وأما أبو بكرة ومن جُلد معه في القذف، فإن أخبارهم مقبولة لأنَّهم لم يُخرجوا القول مخرج القذف، وإنما أخرجوه مخرج الشهادة، وجلدهم عمر ﵁ باجتهاده، فلا يجوز ردّ أخبارهم".
1 / 19
٤- قال الإمام أبو بكر البيهقي: "كل من روى عن النبي ﷺ ممن صحبه أو لقيه فهو ثقة لم يتهمه أحد ممن يحسن علم الرواية فيما روى" ذكره العلائي في كتابه (تحقيق منيف الرتبة ص:٩٠) .
وأصحاب رسول الله ﷺ ﵃ أجل من أن يقال في الواحد منهم ثقة، ويكفيه شرفًا وفضلًا ونبلًا أن يقال فيه: صحب رسول الله ﷺ، قال النسائي في سفيان الثوري: "هو أجلُّ من أن يُقال فيه: ثقة، وهو أحد الأئمة الذين أرجو أن يكون الله ممن جعله للمتقين إمامًا" ذكره الحافظ في ترجمته في تهذيب التهذيب، فأصحاب الرسول ﷺ أولى بأن يُقال في أحدهم: أجل من أن يُقال فيه: ثقة.
٥- قال أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني في (التمهيد:٣/١٢٧): "إذا كان الراوي محدودًا في قذف فلا يخلو: أن يكون قذف بلفظ الشهادة أو بغير لفظها، فإن كان بلفظ الشهادة لم يرد خبره، لأنَّ نقصان عدد الشهادة ليس من فعله، فلم يرد به خبره، ولأنَّ الناس اختلفوا: هل يلزمه
1 / 20
الحد أم لا؟ وإن كان بغير لفظ الشهادة ردّ خبره، لأنَّه أتى بكبيرة إلاّ أن يتوب".
٦- قال ابن قدامة في (روضة الناظر:١/٣٠٣): "المحدود في القذف إن كان بلفظ الشهادة فلا يرد خبره؛ لأنَّ نقصان العدد ليس من فعله، ولهذا روى الناس عن أبي بكرة، واتفقوا على ذلك وهو محدود في القذف، وإن كان بغير لفظ الشهادة فلا تقبل روايته حتى يتوب".
وقال الشيخ عبد القادر بدران في حاشيته على روضة الناظر: "المحدود بسبب كونه قذف غيره إما أن يكون قذفه بلفظ الشهادة مثل أن يشهد على إنسان بالزنا، أو بغير لفظ الشهادة مثل من قال لغيره يا زان، فإن كان قذفه بلفظ الشهادة لم يرد خبره وقبلت روايته لأنَّه إنما يُحدُّ والحالة هذه لعدم كمال نصاب الشهادة بالزنا وهو أربعة، إذ لو كملوا لحُدّ المشهود عليه دون الشهود، وعدم كمال نصاب الشهادة ليس من فعل هذا الشاهد المحدود حتى يعاقب برد شهادته، وإن كان قذفه بغير لفظ الشهادة كقوله: يا زان
1 / 21
يا عاهر ونحوه ردت شهادته حتى يتوب؛ لأنَّ هذا القاذف كان بسبب من فعله وهو قذْفُه فعوقب عليه بالحد وسُلب منصب الشهادة، فإذا تاب قبلت شهادته قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ أي: فاقبلوا شهادتهم بعد التوبة".
وقال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في مذكرته في أصول الفقه على روضة الناظر (ص:١٢٥): "حاصل ما ذكر في هذا الفصل أنَّ في إبطال الرواية بالحد في القذف تفصيلًا، فإن كان المحدود شاهدًا عند الحاكم بأنَّ فلانًا زنى وحُدّ لعدم كمال الأربعة، فهذا لا ترد به روايته؛ لأنَّه إنما حُدّ لعدم كمال نصاب الشهادة في الزنى، وذلك ليس من فعله، وإن كان القذف ليس بصيغة الشهادة، كقوله لعفيف: يا زان ويا عاهر ونحو ذلك،
1 / 22