تراه يُنكر كل معرفة تتجاوز العالم المادِّي، وفي ذلك يقول: (الكونُ مادي، والعقلُ الإنساني قادر على إِدراكِهِ ومعرفتهِ، ولا توجد حدودٌ يتوقفُ العقلُ عندها ... ولا يعترفُ العلمُ بوجود عالمٍ غير مادي =يعجزُ العقلُ عن إدراكه) (^١) .
وبلغ الغلو العلمانيُّ في العقل مبلغَه، حين ادَّعى حسن حنفي عدم افتقار البشريَّة للنُّبوّة لكفاية العقل لهم، ولأنَّ النبوّة لا فائدة منها إلَاّ بعث النَّاس على الفُرقة والتعصب، فالنُّبوَّة عنده ضررٌ محقق لا نفع فيه، وفي تقرير ذلك يقول:
(فالنبوَّات لا يُحتاج إليها العقلاء، كما أنَّها تبعث النَّاسَ على التحزُّبِ والتعصُّب، وتزيدُ من حِدّة الانفعالات، وتغرق الإنسان في الوهم، وبإمكانيةِ خرق قوانين الطبيعة. كما أَنَّها توقع في التشبيه وهو ما يعارض التنزيه العقلي. وتدفعُ نحو الخيال أكثر مما تدفع نحو العقل. وتَعِدُ النَّاس بِسعادةٍ أُخرويَّة. والفعل الأخلاقي لا يقوم على إلزام أَو جزاء ...) (^٢) .
وممَّا تقدَّم سوقه يتجلَّى للنَّاظر أمور:
الأمر الأوَّل: اعتقادُ المُخالفين لأهلِ السُّنَّة والجماعة بوجود الخصومة ... بين النَّقل والعقل ووقوع التّعارض أو إمكانه وجوازه، وأنَّ تقديم النَّقل ... على العقل يستلزم الدَّور المُحال بداهة إذ حُجيَّة الخبر الشَّرعي لا يمكن أن ... تعلم إلَاّ بإثبات الدلالة العقليَّة، ولولا تصحيح العقل له لما أفاد، ... فتقديم النَّقل عندئذٍ يستلزم القدح في أَصله، وهذا ما