الأَخبار به، فتراه يقول: (إنّ جهةَ حُجّة العَقْلِ قد تنسخ الأخبار) (^١)
ويقول القاضي عبد الجبَّار الهمداني: (وإذ قد عرفت ذلك؛ فاعلم أنَّ الدَلالةَ أَربعةٌ: حُجّةُ العقلِ، والكتاب، والسُّنّة، والإجماع. ومعرفةُ الله لا تُنالُ إلَاّ بِحُجّة العقل) (^٢)
ويقول الزَّمخشري في مَعْرض تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)﴾ يوسف: (﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ يُحتاجُ إليه في الدِّين؛ لأنَّه القانون الَّذي يستنِد إليه السُّنّة، والإجماع، والقياس بعد أدلة العقل) (^٣)
وبهذه النُّصوص يتبين أَنّ المعتزلة تجعل العقلَ حجةً ودليلًا مُستقلًا، وتُقَدِّمه على سائر الأدلة.
وهذا التقديم وإن لم تدَّعِ المعتزلة بأنّه تقديم رتبة وتفضيل لأنّه لا يُعرف عن أحد منهم -فيما أعلم- التنصيص على أَفضليَّته على الدَّلائل الشرعية من كتابٍ وسنّة صَراحةً = إلَّا أنَّ تصرُّفاتِهم العملية برهان يدل على جعلهم العقل حاكمًا على النُّصوص، ويظهر ذلك فيما يتناولونه من الدلائل السّمعية، فأمَّا الدَّلائل القُرآنيةُ، فلكونها قطعيةَ الثُّبوت لم يستطيعوا ردَّها، بل اكتفوا بتطريق الاحتمالات على دلالاتها