ولعل البعض يتصور بأن من الأجدر لأمير المؤمنين عليه السلام أن يعمل بمشورة المغيرة، فيستبقي معاوية في ولايته، بيد أن بسط نفوذ الحكم الجديد وتحقيق أهدافه وبرامجه في إطار مجتمع ما يستلزم وجود قوى تنفيذية عقائدية وفية للحاكم. وحين بويع أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة في ظروف سياسية خاصة كان مضطرا لإجراء تغيير أساسي في هيكل الخلافة الإسلامية، وعلى لملمة بساط التفرقة والجور الذي كرسه الحكم العثماني، ولم يكن بمقدوره في مثل هذه الظروف أن يستبقي عناصر فاسدة من حزب الطلقاء وممثلي الطبقة الراقية القبلية الذين كان منتهى همهم في حفظ مواقعهم وتأمين مكاسبهم ومضاعفة ثرواتهم، ولم يكن يجيز لنفسه تسليط أمثال هؤلاء الولاة على مقدرات الأمة، خاصة وأنهم من المعارضين الألداء لسياسة أمير المؤمنين عليه السلام في العدل والتسوية في العطاء، وكان بقاء هؤلاء يمثل عقبة كأداء في طريق تحقيق أهداف أمير المؤمنين عليه السلام، وعاملا كبيرا في أضعاف حكومته وتبديد آمال الذين بايعوه رغبة في عدله، وانتظارا للاصلاحات الاجتماعية التي ترقبوها منه، يضاف إلى ذلك أن إبقاء معاوية وأمثاله في مناصبهم يعني إضفاء صبغة الشرعية عليهم، وتأييدا ضمنيا لأعمالهم وجرائمهم.
وكان خطر معاوية يفوق سواه، فقد كان قد أرسى في الشام دعائم حكم يشبه حكم الروم، وكان أهل الشام لا يعلمون عن الخليفة إلا ما ينقله لهم معاوية، وكانوا يعدون معاوية مثالا للإسلام الحقيقي، ولهذا فقد محضوه الطاعة والنصيحة. وبعد مقتل عثمان بن عفان آلت قيادة بني أمية إلى معاوية، كما أنه أضحى مأوى يأوي إليه كل خازج على أمير المؤمنين عليه السلام وكل من ينقم على علي عليه السلام عدله في الرعية، وبخاصة بقايا الحكم العثماني الجائر، وقد علل أمير المؤمنين عليه السلام سياسته في هؤلاء بقوله عليه السلام:
صفحہ 61