دولت اسلامیہ اور فوری بربادی
الدولة الإسلامية والخراب العاجل
اصناف
كلهم بلا استثناء لا يريدون تغيير الحكومات القائمة لأنها أدت إلى تخلف شعوبها، ولا لأنها أهملت الزراعة، أو لأنها فرطت في حقوق عامة للمواطنين كالمسكن والعلاج والعمل، أو أنها قصرت في حفظ الأمن والمرور وسيادة القانون، أو أنها قصرت في مواجهة الكوارث، فكل هذا لا يخطر لهم؛ لأنهم لا يرون الحكم أبعد من كونه نزاعا على ميراث، ولمن يئول هذا الميراث؟ نفس النزاع كان هو المؤسس لحكم الراشدين وفتنهم العديدة، كان نزاعا حول من هو الصاحب الشرعي للميراث، والرعية والأوطان هي التركة. في كل انقلاب قامت به فرقة للاستيلاء على الحكم لتنزيل الشريعة وصالح الدين والديان، لم تخفض الجباية عن الناس بل ضاعفتها، ولم تقلل من الضرائب بل اعتصرت الناس اعتصارا، ولم تلغ العبودية بل زادت من عدد العبيد. كان التغيير المطلوب وما زال هو إجابة على السؤال: من يحق له امتلاك الأرضين بما فوقها من رعية؟ بإرضاء رب الدين بتفعيل شريعته، وهي الشريعة التي استخدمها كل الفرقاء لإثبات فساد شرعية بقية الفرقاء، فكان أن أصبح كل المسلمين كافرين في نظر كل المسلمين.
يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور فوزي خليل: إن المنفعة العامة (جلب المصلحة ودفع المفسدة) ستكون بالفتوى وبالاجتهاد، ويسميه الاجتهاد السياسي الإسلامي، وهو أمر يركن إلى تعريف للمصلحة العامة بما يراه لها من هو أعلم بمصالحنا منا، قياسا إلى شريعة الله الذي هو أعلم بمصالحنا منا. لا يرى هؤلاء حولهم في الدنيا أن صالح الناس العام لم يعد بيد من يفتي فيه من أهل العلم الديني والتقوى العارفين بالشريعة، ولا بيد من يريد الاجتهاد ليستنسخ لنا من الشريعة القديمة شريعة قديمة برداء محدث. المصلحة العامة هي التي يحددها الرأي العام، من يحددها هم الناس وليس المشايخ والمفتون والمجتهدون، ذلك كان زمان المماليك وأبي الحجاج الثقفي وليالي هارون الرشيد، ويوم نحس الخليفة الذي يعدم فيه أول من يصادفه من رعيته، ويوم سعده الذي ينعم فيه على أول من يصادفه منهم.
اليوم من يقرر الصالح العام هم الناس، هو رأيهم العام. اليوم يصبح الاجتهاد عملا ضد السلام العام للمجتمع المدني المحلي، وضد أمن وسلام المجتمع الدولي؛ لأن استدعاء ذلك الزمان بما فيه من الجهاد والسبي والفيء واحتلال العالم لإدخاله في نور الله؛ كفيل بتهديد الأمن الوطني والعالمي كله.
لكن لكي يكون الرأي العام معبرا عن مجتمعه حقا، فلا بد أن يتم ذلك في مناخ من الحرية في التفكير وفي القول وفي الاعتقاد، وفي اعتياد وجود آراء مخالفة يمكن أن تنتصر هي في السجال وتعمم نفسها على الرأي العام لثبوت نجاحها. الشرط الأساسي لرأي عام سليم هو أن يكون المجتمع قد ألف واعتاد التعددية في الرؤى، لأن رأيا واحدا سائدا يشكل عقلا مجتمعيا كاملا وفق قواعده وشروطه، حتى يصبح الناس كلهم طبعة واحدة؛ هو رأي عام مزيف، ملعوب فيه، وفي عقل المجتمع كله، ليصبح ضد نفسه، ويتحول إلى مجرد صدى للفتاوي. في هذه الحال يصبح الرأي العام غير معبر عن الصالح العام، إنما عن صالح فئوي تتحقق فيه الفوائد لرجال الدين وحلفهم، ولو قمنا بعمل قياس للرأي العام في بلادنا ستندهش أن تجده هو رأي رجال الدين الإسلامي بالتمام في كل شيء وفي كل شأن، وهو رأي صنعه لدى الناس رجل الدين وليس الدين، بعدما أصبح رجل الدين رقيبا على الرأي والفكرة، رقيبا على الآراء الأخرى حتى لا توجد بالمرة ولا يبقى في السوق سوى رأي واحد للجميع.
رجل الدين الذي يبحث عن المصلحة ويدفع المفسدة، يراقب المصنفات والمطبوعات، يهرع وراء كل مخالف في أي شأن بتهمة التكفير فلا يبقى حرا في المجتمع سوى رجال الدين كالعرب السادة القدماء، لهم وحدهم الحق في القول في كل شيء والتدخل في كل علم وفن بالفتوى والتفسير، ولهم كل وسائل التعليم والإعلام وتوجيه الرأي العام، حتى تم استئناس الرأي العام وتدجينه في حظيرة العباد الصالحين، هو النجاح الذي لا بد أن نعترف به لتيار الدكتور فوزي، بتحالف تحتي تمكنوا فيه من الاستيلاء على أجهزة توجيه الرأي العام في الدولة هم وحدهم ودون أي رأي آخر غير رأيهم. إن الاجتهاد الذي يطلبه الدكتور فوزي لا يعبر عن الصالح العام ولا الرأي العام، فهو رأي لا يقدمه المجتمع ولا يصنعه، بل هو رأى فئة وطائفة اختارت نفسها لمهمة الشياخة والفتوى، ومن ثم هيئوا الواقع كله ليبصم على قراراتهم وفتاواهم وهو مغمض العينين، فأصبح رأيهم رأيا عاما، بينما هو رأي خاص لجماعة خاصة، لتحقيق مصلحة خاصة، لهذه الجماعة بخاصة، وما أبعد ذلك عن صالح الوطن والمواطنين.
نتابع ما تطرحه الكوكبة الجديدة من المشتغلين بالإسلام السياسي، لإدخال الإسلام في كل مدخل ممكن من العمل السياسي، وضمن هؤلاء نتابع ما كتبه أستاذ العلوم السياسية الدكتور فوزي خليل حول كيفية صناعة القرار السياسي في دولة إسلامية تلتزم الشريعة عند صنع هذه القرارات.
يقول الدكتور فوزي: «إن عملية صنع القرار في الرؤية الإسلامية، بحكم مقاصدها ومرجعياتها، هي عملية ترتبط في تفاعلاتها بمفهوم التدبير، الذي يعني التفكير العميق والدراسة الواعية للأمور لتدبير الأمور في الأمة تدبيرا يصلحها في الدنيا والآخرة.» ودعما لما يقول يقدم استشهادا من كلام الإمام جلال الدين السيوطي في كتاب الأشباه والنظائر؛ إذ يقول: «إن التصرف على الرعية منوط بالمصلحة.»
هنا نجد أنفسنا بإزاء أكثر من سؤال، هل ما يطرحه السيد الباحث هنا هو رأي رجل دين أم رأي أستاذ علوم سياسية؟ لأن الأمر يستشكل علينا ما بين إعلانه عن علميته التي حازها بأرفع الدرجات على المستوى العلمي في دراسة السياسة، وما بين ما يقول لنا هنا، خاصة مع ما يستخدم من ألفاظ ذات نكهة سلفية ورنين إسلامي عتيق، فماذا يقصد مثلا بالتدبير كمفهوم يرتبط بعملية صنع القرار في الرؤية الإسلامية؟ يعرفه بأنه تفكير عميق ودرس واع لتدبير الأمة بما يصلحها دنيا وآخرة. إذن التدبير تفكير عميق ودرس واع من أجل ماذا؟ من أجل العثور على التدبير الذي يصلح شأننا دنيا وآخرة. وهكذا تاه منا التدبير هل هو مبتدأ أم منتهي أم وسط عملية اتخاذ القرار السياسي، وهل هو وسيلة نصل بها مباشرة إلى صالح الأمة، أم أن التدبير هو هدف العملية «لتدبير الأمة بما يصلحها دنيا وآخرة».
ألفاظ زئبقية بلا معنى محدد واضح يمكن أن تضيف إليها أو تحذف دون أن يتغير أي شيء؛ لأنه في مساحة المفاهيم غير المتفق عليها يمكن لأي شيء أن يكون أي شيء، إن لم يعرفنا ماذا يعني بالتفكير العميق الذي هو التدبير المؤدي إلى التدبير؟ ولا كيف يتأتى لنا هذا التفكير؟ كيف ينشئه العقل البشري ليأتي بالشكل السليم؟ إن عبارات الدكتور وما يقدمه من مصطلحات يشير إلى إنها لم تأت بالشكل السليم، فليس من الضروري أن يؤدي التفكير العميق الذي هو التدبير إلى صلاح الدنيا والآخرة؛ فالأساطير والخرافات كلها كانت نتيجة تفكير عميق وتدبير، الدكتور لا يفرق بين عقول تفكر، وأخرى تفكر لكنها لا تعرف كيف تفكر، المسألة هي كيف نفكر؟ لا أن نفكر تفكيرا عميقا والسلام.
ومثل هذا التفكير الذي يعرف كيف يفكر ليصل إلى نتائج يطبقها في الواقع فيؤدي للنجاح والصلاح والمصلحة والتفوق، له أصوله الفلسفية والتي تم اكتشافها حديثا في عصر النهضة على يد فلاسفة ومفكرين عظام، أسسوا لاكتشاف الجديد وإبداع ما لم يكن موجودا، ووضعوا نظما حقوقية لحماية الكرامة الإنسانية، وأسسوا لعلوم السياسة وفق أدق المصطلحات، فليس عندهم تدبير بما يصلح الدنيا والآخرة، وإنما هناك تفكير علمي أنجز وحقق واخترع وأبدع واكتشف فأقام الحضارة الحديثة كأعظم حضارة عرفها الكوكب الأرضي.
نامعلوم صفحہ