عثمانی ریاست
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
اصناف
أما في الممالك العثمانية، فليست الحالة على ما تقدم؛ فإن لدينا سلطتين متنازعتين وعناصر مختلفة وأمما متباعدة بقوة الإغراء، حتى لقد كنت تخال أن جميع العوامل داخل البلاد وخارجها متفقة على ملاشاة هذه الأمة، بل تلك الأمم المتخاذلة. وإذا رجعت إلى تاريخ وضع النظام الدستوري في البلاد الأوروبية منذ قام كرومويل في إنكلترا إلى أيام الثورة الفرنسوية إلى يومنا هذا؛ بدا لك أن سفن الإصلاح سارت على بحار الدماء، حتى في البلاد التي لم يكن فيها من أسباب الشقاق والنفاق بعض ما ابتلانا الله به في الآونة الأخيرة. وهذه روسيا وإيران لا تزال دماء زعماء الحرية فيها تتدفق سيلا طاميا؛ فحيا الله نيازي وحيا الله أنور وحيا الله الجيش العثماني وأنصاره، وحيا الله جمعية الاتحاد والترقي، وحيا الله كل ذي سلطة أو نفوذ جرد نفسه منهما وأولاهما أمته. وهم وإن دون التاريخ معجزتهم هذه أعجوبة القرن العشرين، فسيثبت - بدون ريب - أن الأمة على تمام الأهبة والاستعداد لتلقي هذا الانقلاب.
وليس من غرضنا في هذه العجالة أن ندون، تفصيلا، تاريخ هذه النهضة الأخيرة منذ أذكى شهيد الطائف
1
جذوة نارها، ونقر طريد مدللي
2
على أوتارها، وتولى نزيل باريس
3
حماية أنصارها، إلى أن تفجر بركانها فدهش له العالمون بهمة بطلي مكدونية أنور ونيازي وأنصارهما، فلم يحن للتاريخ أن يستتم أخبار هؤلاء الأعلام، ولا سيما أبناء هذا اليوم، فحسبنا أن نشير إلى نبذ متقطعة من أخبارهم، وأوجب من ذلك الآن أن يشد كل منا أزرهم بما طالته يده من قول وعمل حسا ومعنى؛ ليتسنى لهم إتمام هذا البناء الشاهق. ومستقبل الزمن ضمين بتدوين أسمائهم وأعمالهم بحروف من نور على صفحات الصدور.
ولسوف يضم التاريخ إليهم عشرات، بل مئات وألوفا، من ضحايا الحرية ومنكوبيها وسواء في ذلك من مات شهيدا طريدا كسعاوي قتيل الأستانة، وسليمان سجين بغداد، وغانم منفي باريس، والكواكبي شريد مصر، ومن لا يزال فيه رمق حياة، يرجو العثمانيون أن يفسح الله في أجله ويعليه منارا كفؤاد الشامي، وسعيد اليماني، نسبة إلى منفاهما، ورضا وصباح الدين الباريسيين، نسبة إلى دار اغترابهما.
وإنه ليسوءنا أن يكون بين ظهرانينا، إلى جانب هؤلاء، فئة قليلة ممن تثقفوا على أيديهم؛ فاشرأبت إليهم الأعناق، ثم عبث الطمع بأفئدتهم؛ فخانوا رفاقهم، وكانوا عليهم بلاء ما كان أشده، لو لم يضرب الله على أيديهم هذه الضربة القاضية، وحسبهم عقابا ما يحيق بهم اليوم من الخيبة وضروب المهانة.
نامعلوم صفحہ