الكتاب: الضوء الساري في معرفة خبر تميم الداري - مخطوط
المؤلف: المقريزي
المتوفى: ٨٤٥ هـ
[ل١أ] بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله على نعمائه، وصلي الله على نبينا محمد خاتم أنبيائه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعي هديهم إلى يوم الدين.
وبعد:
فهذه مقالة وجيزة، وتحفة سنية عزيزة، سميتها ضوء الساري لمعرفة خبر تميم الداري، ﵁، وأسأل الله التوفيق، إلى سواء الطريق، بمنه وكرمه آمين، إنه على ما يشاء قدير.
فصل
اتفق جميع فرق الإسلام وسائرأهل الكتاب من اليهود والنصارى على أن نسم جميع الإنس على اختلاف أجناسهم مخلوقة من آدم ﵇.
قال الله جلت قدرته: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍوَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾
وأجمعوا مع ذلك أن نوحا ﵇ هو الأب الثاني، وأن العقب من آدم ﵇ انحصر فيه فليس أحد من بني آدم إلا وهو من ولد نوح ﵇.
وأهل الهند وأهل الصين لا يقرون بذلك ويقول بعضهم أن الطوفان لم يحدث سوى في إقليم بابل وما وراءه من البلاد [ل١ب] الغربية فقط فإن ولد كيومرت الذي هو عندهم آدم كان بالشرق فلم يصلهم الطوفان، ولذلك أهل الصين والهند لا يعرفون الطوفان والله أصدق القائلين قال ﷾: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وجعلنا ذريته هم الباقين)
فهذا قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾
1 / 1
وأجمعوا مع ذلك على أن العقب من نوح ﵇ انحصر في أولاده الثلاثة وهم سام وحام ويافث، وأن العرب بأسرها من ولد سام بن نوح.
واتفق علماء النسب على
أن العرب من ولد يعرب بن قحطان.
وأن العرب قسمان:
العرب العاربة: وهو العرب العرباء، وأرادوا المبالغة في العربية، وكانوا في الزمن الغابر، والدهر القديم فطالت مددهم في الحياة وامتددت مملكتهم في جميع المعمور من الأرض وبنوا مدينة الإسكندرية، وهي من مصر وسمرقند وإفريقية وعدة مدائن بالشرق والمغرب.
وعمروا آلاف كثيرة من السني وعظمت خلقهم كما ذكرت ذلك في كتاب الخبر عن البشر، وهو المدخل إلى كتاب امتاعالأسماع بما للرسول من الأنباء والأحوال، والحفدة والمتاع ﷺ.
والقسم الثاني: [ل٢أ]
العرب المستعربة، وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم الخليل ﵉
واتفقوا مع ذلك على أن العرب ترجع إلى قحطان وعدنان المضرية والنزارية وهي قيس فإذا العرب قيس ويمن.
واتفقوا أيضا على أن العرب طبقات:
١ - شعب، بفتح الشين المعجمة.
٢- وقبيلة.
٣ - وعمارة، بفتح العين المهملة.
٤ - وبطن.
٥- وفخذ.
٦- وفصيلة.
وما بينهما من الأباء يعرها أهلها كما قد بينته بيانا شافيا في كتاب...... (١)، وفي كتاب عقد جواهر الإسفاط في أخبار مدينة الفسطاط
_________
(١) ... بياض بالأصل
1 / 2
فإذا تقرر ذلك فاعلم أن يعرب بن قحطان بن عابر بن سالخ بن
أرفخشد بن سام بن نوح ﵇ على خلاف في نسب قحطان تشعبت من بطون حمير وكهلان أبناء سبأ بن يسخب بنيعرب بن قحطان.
وانفرد بنوا حمير بالملك فكان منهم التبابعة أهل الدول المشهورة.
وفي حمير عدة بطون قد ذكرناها بحمد الله ذكرا شافيا فيما تقدم ذكره.
وتداول بنو كهلان الملك في أول أمرهم، ثم انفرد بنو حمير به دونهم، وبقيت بطون بني كهلان تحت مملكتهم باليمن، فلما ذهب ريح بقيت الرئاسة على العرب البادية لبني كهلان فلم يأس ولا ما مر في العرب [ل٢ب] إلا من كان منهم على ما بيناه هناك.
واعلم أن شعوب كهلان بانفرادها انشعبت من زيد بن كهلان في مالك وغريب ابني زيد بن كهلان، فمن مالك بن زيد بن كهلان بطن همدان بإسكان الميم، ابن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان وهو أعظم قبائل اليمن.
ومن مالك أيضا الأزد وهو در ابن غوث بن نبت ابن مالك.
ومنه خثعم وبجيلة أبناء أنمار بن أرائس أخي الأزد بن الغوث، فالأزد بطن عظيم متسع ذو شعوب كثيرة وخثعم وبجيلة بطون عديدة أيضا.
ومن عريب بن زيد بن كهلان طيء، والأشعريون، ومذحج، وبنو مرة، وأربعتهم بنو أدد بن زيد بن يسخب بن عريب بن زيد بن كهلان.
ومن بطن مذحج واسمه مالك بن أدد بن هنس بالنون، ومراد واسمه نخابر بن مذحج، وسعد العشيرة بن مذحج، وهو بطن عظيم لهم شعوب كثيرة وزبيد بن مصعب بن سعد العشيرة.
ومن بطون مذحج النخع ورها ومسلية وبنو الحارث بن كعب.
فأما النخع فهو ابن عمرو بن علة بن خالد بن مذحج.
وأما بنو الحارث فأبوهم الحارث بن كعب بن علة المذكور.
وقد ذكرنا فيما تقدم من الكتابين هذه البطون كلها والغرض هنا أنما هو ذكر بني مرة بن أدد أخوة طيء ومذحج [ل٣أ] والأشعريين فإنهم أصل لخم وهم عدة بطون كلها تنتهي إلى الحارث بن مرة بن أدد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان.
وقيل لخم بن عدي بن مرة بن أدد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن يشخب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وهو بطن كبير متسع ذو شعوب وقبائل منهم الدار بن هانيء بن حبيب بن نمارة بن لخم.
1 / 3
منهم تميم بن أوس بن خارجة بن سود، ويقال سواد، وسواد أصح ابن خذيفة بن ذراع بفتح الذال المعجمة بن عدي بن الدار بن هانيء بن حبيب بن نمارة بن لخم بن عدي أبو رقية الداري، رقية هنا بضم الراء المهملة، وفتح القاف وتشديد الياء آخر الحروف الصحابي ﵁،
روى عن: النبي ﷺ حديث الجساسة.
وروى عنه: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وعبد الله بن موهب، وقبيصة بن ذويب، على ما قيل وسليم بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، وعبد الرحمن بن غنم، وعطاء بن زيد الليثي، وروح بن زنباع، وكثير بن ضمرة، وبرة بن عبد الرحمن، وزرارة بن أوفى، والأرهر بن عبد الله، وطائفة كثيرة.
وخرج له مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
وأما حديث الجساسة
فخرجه الإمام أبو الحسين [ل٣ب] مسلم بن الحجاج القشيري، ﵀، من طريق:
1 / 4
الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ، شَعْبُ هَمْدَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، فَقَالَ: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، لاَ تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ، فَقَالَتْ: لَئِنْ شِئْتَ لأَفْعَلَنَّ، فَقَالَ لَهَا: أَجَلْ حَدِّثِينِي فَقَالَتْ: نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ، فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَخَطَبَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى مَوْلاَهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ قُلْتُ: أَمْرِي بِيَدِكَ، فَأَنْكِحْنِي مَنْ شِئْتَ، فَقَالَ: انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ، مِنَ الأَنْصَارِ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ، فَقُلْتُ: سَأَفْعَلُ، فَقَالَ: لاَ تَفْعَلِي، إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ، فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ [ل٤أ] وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ
1 / 5
اللهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ، فِهْرِ قُرَيْشٍ وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَانْتَقَلْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِي رَسُولِ اللهِ ﷺ، يُنَادِي: الصَّلاَةَ جَامِعَةً، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ، لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمِ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ، مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ
1 / 6
إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ، قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا [ل٤ب] فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا، حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ، فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا مِنْهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ، قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ
1 / 7
عَيْنِ زُغَرَ، قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا [ل٥أ] لَهُ: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ، قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً، أَوْ وَاحِدًا، مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ: هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، يَعْنِي الْمَدِينَةَ، أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ، أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلاَ إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ، أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ، لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ
1 / 8
مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مَا هُوَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ، قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
وقد خرج مسلم هذا الحديث من طرق [ل٥ب] وهو عدود في مناقب تميم الداري، ﵁، لأن النبي ﷺ روى عنه هذه القصة، وهي من باب رواية الفاضل عن المفضول والمتبوع عن التابع.
وفيها دليل على قبول خبر الواحد.
والجساسة بفتح الجيم وتشديد السين المهملة الأولى
سميت بذلك لأنها تتجسس الأخبار للدجال.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنها دابة الأرض المذكورة في القرآن.
وفاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر القرشية الفهرية أحد المهاجرات الأول الجميلات العاقلات النبلات كانت عند أبي عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي واسمه عبد الحميد، وقيل اسمه كنيته، فطلقها لما بعثه رسول الله ﷺ مع علي بن أبي طالب، ﵁، حين وجهه ﷺ أميرا على اليمن وبعث إليها تطليقة وهي بقية طلاقها ثم مات هناك مع علي بن أبي طالب، ﵁،
فتأيمت أي صارت أيما وهي لا زوج لها فخطبها معاوية وأبو جهم بن حذيفة فاستشارت النبي [ل٦أ] ﷺ فيهما فأشار عليهما بأسامة بن زيد فتزوجته.
وذكر البخاري في التاريخ أنه عاش إلى خلافة عمر، ﵁،
1 / 9
وقولها فأصيب ليس معناه أنه قتل في الجهاد مع النبي ﷺ، وتأيمت بذلك بل إنما تأيمت بطلاق البائن ويكون معنى فأصيب أي بجراحة أو أصيب في ماله أو نحو ذلك وأرادت عد فضائله فابتدأت بكونه خير شباب قريش، ثم ذكرت الباقي وقوله وأم شريك من الأنصار، أنكر هذا بعضهم وقال: إنما هي قرشية من بني عامر بن لؤي واسمها غزية وقيل غزلية، وذهب آخرون إلى أنهما اثنتان قرشية وأنصارية، فالقرشية العامرية هي أم شريك غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن ضباب بن حجر، ويقال: حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي وهي التي وهبت نفسها للنبي ﷺ على خلاف في ذلك قد ذكرته في كتاب إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع ﷺ عند ذكر أزواج رسول الله ﷺ
وأما أم شريك الأنصارية فمن بني النجار ولم يذكرها بن عبد البر. [ل٦ب]
وإنما روى الحاكم في المسترك من طريق محمد بن إسحاق، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء، حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال: وتزوج رسول الله ﷺ أم شريك الانصارية من بنى النجار.
وقال: إنى أحب أن أتزوج من الأنصار ثم قال إني أكره غيرتهن
ولم يدخل بها.
وقوله انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم وهو رجل من بني فهر، فهر قريش وهو من البطن الذي هي من ابن أم مكتوم صفة لعبد الله لا لعمرو، فإنه عبد الله ابن أم مكتوم وهي أمه فينسب تارة إلى أبيه عمرو وتارة ينسب إلى أمه أم مكتوم، فينبغي أنه يكتب في قولنا ابن أم مكتوم بألف في ابن، وفي قولها هذا إشكال فإن ابن أم مكتوم بن عامر بن لؤي، وفاطمة بنت قيس من بني محارب بن فهر، فكيف يكون ابن عمها وأنها من البطن الذي هو منه؟
1 / 10
وقد أجيب عن هذا الإشكال: بأن المراد بالبطن هنا القبيلة لا البطن الذي هو دون القبيلة، والمراد أنه ابن عمها مجازا لكونه من قبيلتها وفيه نظر.
وقوله ثم ارفوا إلى جزيرة وهو بالهمز يقال رفاء السفينة بالهمز يرفوها رفاءً أدناها من الشط وهو المرفأ. [ل٧أ]
وقوله فجلسوا في أقرب السفسنة هو بضم الرآء المهملة.
وقد اختلف فيه فقيل المراد بأقرب قارب وهي السفينة الصغيرة التي تكون مع الكبيرة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، الجمع قوارب، والواحد قارب بكسر الراء وفتحها، وجاء هنا أقرب وهو صحيح لكنه على خلاف القياس.
وقيل: المراد بأقرب السفينة أخرياتها وما قرب منها للنزول.
قوله دابة أهلب كثير الشعر الأهلب الغليظ الشعر مع الكثرة.
قوله من قبل المشرق ما هو، ما هنا زائدة صلة للكلام، وليست بنافية، والمراد إثبات أنه في جهة المشرق، والله أعلم.
1 / 11
وقال محمد بن سعد في (الطبقات): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، يعني الواقدي قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ (ح) وَأَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالاَ: قَدِمَ وَفْدُ الدَّارِيِّينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ وَهُمْ عَشَرَةُ نَفَرٍ فِيهِمْ: تَمِيمٌ وَنُعَيْمٌ ابْنَا أَوْسِ بْنِ خَارِجَةَ بْنِ سَوَّادِ بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ دَرَّاعِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدَّارِ بْنِ هَانِئِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَخْمٍ، وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَارِجَةَ، وَالْفَاكِهُ [ل٧ب] بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ صَفَّارَةَ.
1 / 12
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: صَفَّارَةُ، وَقَالَ هِشَامٌ: صَفَّارُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ دَرَّاعِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدَّارِ، وَجَبَلَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ صَفَّارَةَ وَأَبُو هِنْدٍ وَالطَّيِّبُ ابْنَا ذَرٍّ وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَزِينِ بْنِ عِمِّيتِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ دَرَّاعِ، وَهَانِئُ بْنُ حَبِيبٍ، وَعَزِيزٌ وَمُرَّةُ ابْنَا مَالِكِ بْنِ سَوَّادِ بْنِ جَذِيمَةَ فَأَسْلَمُوا وَسَمَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ الطَّيِّبَ عَبْدَ اللهِ وَسَمَّى عَزِيزًا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَأَهْدَى هَانِئُ بْنُ حَبِيبٍ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ رَاوِيَةَ خَمْرٍ وَأَفْرَاسًا وَقَبَاءً مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَقَبِلَ الأَفْرَاسَ وَالْقَبَاءَ وَأَعْطَاهُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: انْتَزِعِ الذَّهَبَ فَتُحَلِّيَهُ نِسَاءَكَ أَوْ تَسْتَنْفِقَهُ ثُمَّ تَبِيعَ الدِّيبَاجَ فَتَأْخُذَ ثَمَنَهُ فَبَاعَهُ الْعَبَّاسُ مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ بِثَمَانِيَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ تَمِيمٌ: لَنَا جِيرَةٌ مِنَ الرُّومِ لَهُمْ قَرْيَتَانِ يُقَالُ لإِحْدَاهُمَا: حِبْرَى، وَالأُخْرَى بَيْتُ عَيْنُونَ فَإِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الشَّأْمَ فَهَبْهُمَا لِي قَالَ: فَهُمَا لَكَ فَلَمَّا قَامَ أَبُو بَكْرٍ أَعْطَاهُ ذَلِكَ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَقَامَ وَفْدُ الدَّارِيِّينَ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَأَوْصَى لَهُمْ [ل٨أ] بِجَادِ مِئَة وَسْقٍ.
1 / 13
قوله فلما أبو بكر أعطاه ذلك وكتب له كتابا هذا الكتاب يأتي ذكره إن شاء الله تعالى، ويحمل الإعطاء من أبي بكر على الإحضاء فإن عمر هو الذي أعطى ذلك تميما على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، فأطلق الراوي عليه عطيه كما سيظهر لك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
قال ابن سعد في الطبقة الرابعة: ابن لخم وهو مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن يشخب بن عريب، تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة بن ذراع بن عدي بن الدار بن هانيء بن حبيب بن نمارة بن لخم، وفد على النبي ﷺ ومعه أخوة نعيم بن أوس وعدة من الداريين.
وقال أيضا في الطبقة: تميم بن أوس الداري بطن من لخم ويكنى أبا رقية لم يزل بالمدينة حتى تحول إلى الشام بعد ما قتل عثمان، ﵁،.
وذكر البيهقي وغيره من طريق يعقوب بن سفيان: أخبرني أبو محمد الرملي، قال: لم يكن لتميم ذكرًا، إنما كانت له ابنة تسمى رقية يكنى بها.
وقال أبو سعيد بن يونس في تاريخ الغرباء: تميم بن أوس الداري كان ينزل دمشق، يقال قدم إلى مصر حدث عنه من [ل٨ب] أهل مصر علي بن رباح بحديث واحد.
وقال في (تاريخ مصر): تميم بن أوس الداري يكنى أبا رقية، قدم مصر، وقيل إن قدومه كان لغزو البحر.
روى عنه من أهل مصر: علي بن رباح وموسى بن نصير.
ثم ذكر من طريق ابن وهب، أخبرنا ابن لهيعة بن موسى بن علي بن رباح عن أبيه أن تميما الداري قال: أتيت النبي ﷺ فحييته تحية أهل الجاهلية فقال: إنما تحيتنا السلام.
وقال أبو عبد الله بن منده: تميم بن أوس، روى عن النبي ﷺ حديث الجساسة، نزل فلسطين وأقطعه ﷺ بها أرضا.
1 / 14
وخرج الطبراني في المعجم الكبير، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، وابن عساكر في تاريخ دمشق على ما نقلته من طريق سَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ بن فائد بن زياد بن أبي هند الداري عن أبي عن جده عن أبي هند الداري قال: قدمنا على رسُول اللهِ ﷺ بمكة، ونحن ستة نفر تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ويزيد بن قيس، وأبو هند بن عبد الله وأخوه الطيب بن عبد الله فسماه رسُول اللهِ ﷺ عبد الرحمن وفاكه بن النعمان [ل٩أ] فأسلمنا وسألنا رسُول اللهِ ﷺ أن يقطعنا من أرض الشام فقال رسُول اللهِ ﷺ سلوا حيث شئتم فقال تميم أرى أن نسأله بيت المقدس وكورها، فقال أبو هند وكذلك يكون فيها ملك العرب وأخاف أن لا يتم لنا هذا فقال تميم فنسأله بيت حبرين وكورتها فقال أبو هند هذا أكبر وأكرفقال فأين فقال أرى أن نسأله القرى التي يقع فيها حصن تل مع آثار إبراهيم فقال تميم أصبت ووفقت قال فقال رسُول اللهِ ﷺ تميم أتحب أن تخبرني ما كنتم فيه، أو أخبرك فقال تميم بل تخبرنا يا رسول الله نزداد إيمانا فقال رسُول اللهِ ﷺ أردتم أمرا وأراد هذا غيره ونعم الرأي رأى قال فدعا رسول ﷺ بقطعة جلد من أدم فكتب لنا فيها كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ذكر ما وهب محمد رسول الله للداريين إذ أعطاه الله الأرض وهب لهم بين عين حبرون وبيت إبراهيم بمن فيهن لهم أبدا شهد عباس بن عبد المطلب وجهم بن قيس وشرحبيل بن حسنة وكتب قال ثم دخل بالكتاب إلى منزله فعالج في زاوية الرقعة وعساه شيء لا يعرف وعقده من خارج [ل٩ب] الرقعة بسير عقدين وخرج إلينا به مطويا وهو يقول " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين، ثم قال: انصرفوا حتى تسمعوا بي قد هاجرت قال أبو
1 / 15
هند: فانصرفنا فلما هاجر رسُول اللهِ ﷺ إلى المدينة قدمنا عليه فسألناه أن يجدد لنا كتابا فكتب لنا كتابا نُسْخَتُهُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَنْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ﷺ تَمِيمًا الدَّارِيَّ وَأَصْحَابَهُ، إني أنطيتكم عين وحبرون والبرطوم وبيت إبراهيم بدمنهم وجميع ما فيهم نطيةً بتة، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الأبد، فمن آذاهم فيها أذله الله.
شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكتب ".
فلما قبض رسُول اللهِ ﷺ وولي أبو بكر وجه الجنود إلى الشام فكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر الصديق إلى أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد امنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى الداريين وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأراد الداريون أن يزرعوها [ل١٠أ] فليزرعوها فإذا رجع أهلها إليها فهي لهم وأحق بهم والسلام عليك.
هذه سياقة ابن عساكر وهو حديث منكر لأن قوله وقع مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة لا يعرف في شيء من الآثار، وقدوم تميم على النبي ﷺ بلا خلاف كان بالمدينة والأكثر أنه كان في سنة تسع وقيل سنة ثمان ومع هذه النكرة فإن سنده ضعيف.
وقد ذكر سعيد بن زياد المذكور أبو حاتم بن حبان وقال: حديثه باطل ولا أدري البلاء منه أو من أبيه أو جده.
وقال أبو الفتح الأزدي في الضعفاء: سعيد بن زياد متروك.
1 / 16
وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ بن محمد، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: لَمَّا أَسْلَمَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللَّهَ مُظْهِرُكَ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا، فَهَبْ لِي قَرْيَتِي مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ، قَالَ: هِيَ لَكَ، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ وَظَهَرَ عَلَى الشَّامِ، جَاءَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ بِكِتَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا شَاهِدٌ ذَلِكَ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ.
قال كاتبه: وفي هذا الخبر مع إرساله انقطاع لأن ابن جريح لم يسمع من عكرمة وقد خالف في تسمية الأرض وبيت لحم [ل١٠ب] في القدس لا في بلد الخليل، ويمكن أن يقال لعل بلد الخليل كان من جملة كورة بيت لحم، ويؤيده قوله قريتي من بيت لحم أي كورة بيت لحم.
قال أبو عبيد: وحدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد أن عُمر، ﵁، أمضى ذلك لتميم وقال ليس لك أن تبيع قال فهي في أيدي أهل بيته إلى اليوم.
قال: وحدثني سعيد بن عفير عن ضمرة بن ربيعة عن سماعة أن تميم الداري سال رسُول اللهِ ﷺ أن يقطعه قريات بالشام عينون وقلاية والموضع الذي فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلى الله عليهم قال وكان بها ركحة ووطيئة قال فأعجب ذلك رسُول اللهِ ﷺ فقال إذا صليت فسلني ذلك ففعل فأقطعهن إياهن بما فيهن ولما كان زمن عُمر وفتح الله الشام أمضى له ذلك.
قال أبو عُبَيد: الركح: الناحية، والجمع أركاح، وأهل المدينة إذا اشتروا الدار قالوا بجميع أركاحها.
1 / 17
قال مؤلفه: هذا السند معضل، والسند الأول مرسل ومعضل لكن يستفاد منه صحة أصل هذه القصة عن الليث بن سعد، ﵀ [ل١١أ] وشهادته بأن ذلك لم يزل في أيدي آل تميم فإن ذلك يقتضي أن عصر الصحابة من لدن عمر، ﵁، ثم عصر التابعين ثم عصر من بعدهم مضى على ذلك من غير إنكار.
وخرج ابن عساكر من طريق حميد بن زنجويه في كتاب الأموال، قال:
1 / 18
حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: أَنْبَأَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالاَ: قَامَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَهُوَ تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ رَجُلٌ مِنْ لَخْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جِيرَةً مِنَ الرُّومِ بِفِلَسْطِينَ لَهُمْ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا حَبْرَى وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا بَيْتُ عَيْنُونَ، فَإِنِ اللَّهُ فَتْحَ عَلَيْكَ الشَّامَ فَهَبْهُمَا لِي، فَقَالَ: هُمَا لَكَ قَالَ: فَاكْتُبْ لِي بِذَلِكَ كِتَابًا، فَكَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لِتَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ، أَنَّ لَهُ قَرْيَةَ حَبْرَى وَبَيْتَ عَيْنُونَ، قَرْيَتَهَا كُلَّهَا سَهْلَهَا وَجَبَلَهَا وَمَاءَهَا وَحَرْثَهَا وَأَنْبَاطَهَا وَبَقَرَهَا، وَلِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ، لاَ يُحَاقَّهُ فِيهَا أَحَدٌ، وَلاَ يَلِجْهُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِظُلْمٍ فَمَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَكَتَبَ عَلَيٌّ فَلَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ، ﵁، كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا نَسَخْتُهُ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي اسْتُخْلِفَ فِي الأَرْضِ بَعْدَهُ، [ل١١ب] كَتَبَ لِلدَّارِيِّينَ أَنْ لاَ يُفْسَدَ عَلَيْهِمْ مَأْثَرَتُهُمْ قَرْيَةُ حِبْرَا وَبَيْتُ عَيْنُونَ، فَمَنْ كَانَ يَسْمَعُ وَيُطِيعُ فَلاَ يُفْسِدْ مِنْهَا شَيْئًا وَلِيَقُمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَيْهِمَا، فَلْيَمْنَعْهُمَا مِنَ الْمُفْسِدِينَ.
فهذا الكتاب من أبي بكر، ﵁، هو وجه قوله في الخبر الماضي أعطاه ذلك أي أمضاه.
1 / 19
وأما تنجيز العطاء فإنما وقع في عهد عمر، ﵁، كما مضى في الخبر الأول، لأن فتح فلسطين وما حولها لم يفتح إلا في خلافة عمر، ﵁،
وإلى الدعاء الذي في الأثر يشير ما أخرجه أبو عبيد البكري في كتاب معجم ما استعجم: أن سليمان بن عبد الملك بن مروان أحد خلائف بني أمية كان إذا مر بطريق تميم يعرج عنها ويقول أخاف أن تصيبني دعوة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.
وجاء الدعاء المذكور من طريق أخرى حسنة المخرج
قال ابن سعد في كتاب الطبقات حدثنا إسماعيل بن عبد الله هو ابن أبي أويس قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم التميمي مولى ابن جدعان، عن أبيه، عن جده: أن كتاب رسول الله ﷺ لتميم الداري: هذا كتاب محمد رسول الله [ل١٢أ] لتميم بن أوس أن عينون قريتها كلها، وسهلها، وجبلها، وماءها، وحرثها، وكرومها، وأنباطها، وثمرها، له ولعقبه من بعده، لا يحاقه فيها أحد، ولا يدخله عليهم بظلم، فمن أراد ظلمهم أو أخذه منهم، فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وقال ابن سعد أيضا: وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِنُعَيْمِ بْنِ أَوْسٍ أَخِي تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ لَهُ حَبْرَى وَعَيْنُونَ بِالشَّأْمِ قَرْيَتَهَا كُلَّهَا سَهْلَهَا وَجَبَلَهَا وَمَاءَهَا وَحَرْثَهَا وَأَنْبَاطَهَا وَبَقَرَهَا وَلِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ لاَ يُحَاقُّهُ فِيهَا أَحَدٌ، وَلاَ يَلِجُهُ عَلَيْهِمْ بِظُلْمٍ وَمَنْ ظَلْمَهُمْ وَأَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَكَتَبَ عَلِيٌّ.
ذكره من طريق الهيثم بن عدي، أخبرنا دلهمة بن صالح وأبو بكر الهذلي عن عبد الله بن بريدة الخصيب.
وحدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان والزهري.
وحدثنا الحسن بن عمارة عن فراس.
1 / 20