303

Darsat fi alsirah

دراسة في السيرة

ناشر

دار النفائس

ایڈیشن نمبر

الثانية

اشاعت کا سال

١٤٢٥ هـ

پبلشر کا مقام

بيروت

اصناف

(إن النبي لا يقتل بالإشارة) .. هذا إزاء رجل كان قد ارتد وجاء يطلب الأمان، فكيف برجال يشهدون خمس مرات في اليوم بشهادة الإسلام؟ إنه كان بإمكانه ﷺ أن يحصدهم في غداة واحدة، إلا أن مقياسا دقيقا لمعرفة إيمان كل منهم لم يكن بيديه، وإنما توكل السرائر لله، ويحاسب الناس بأعمالهم الظاهرة..
وهؤلاء منافقون وظاهرهم المكشوف ظاهر إسلامي، على خلاف مع باطنهم، فكيف يعاقبهم؟ وكان الرسول ﷺ يدرك، فضلا عن هذا البعد الأخلاقي، أن ممارسة القتل الجماعي أو الفردي تجاه أناس من أتباعه، محسوبين على معسكره، سوف يعطي لأعدائه في الخارج سلاحا دعائيا ممتازا لمهاجمة الإسلام، وقد أدرك الرسول ﷺ ذلك، وقال لأصحابه معترضا على إلحاحهم عليه بممارسة هذا الأسلوب تجاه المنافقين «فكيف بالعرب إذا قالت إن محمدا يقتل أصحابه؟»، وهذا حق، فهم على المستوى السياسي والقانوني من أتباع محمد ﷺ، وما دام أي منهم لم يمارس عملا (جرميا) محددا فإن من الصعوبة بمكان عزله أو قتله..
وخلال العودة من تبوك، حين أراد بضعة عشر منافقا أن يمكروا بالرسول ﷺ ويطرحوه من عقبة في الطريق، وعرض عليه بعض أصحابه أن يقطعوا رؤوسهم، أجابهم الرسول ﷺ: إني أكره أن يقول الناس إن محمدا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه. وعندما قال له أسيد بن حضير: يا رسول الله فهؤلاء ليسوا بأصحاب، أجابه الرسول ﷺ: أليسوا يظهرون شهادة ألاإله إلا الله، أليسوا يظهرون أني رسول الله؟ قال: بلى، ولا شهادة لهم، قال: فإني نهيت عن قتل أولئك «١» .
وكان بديل هذا الأسلوب، شيئا نادرا في تاريخ الدعوات. تتبع الرسول ﷺ خطط المنافقين وتخريبهم بيقظة كاملة، ولم يحدد أسلوبا (ثابتا) في مجابهة مواقفهم (المتلونة) (المتغيّرة)، وإنما راح يضع لكل حالة خطة تتناسب تماما وحجم المحاولة التخريبية، وتكبتها قبل أن تجيء بثمارها المرة، وقبل أن تزرع شوكها في طريق الدعاة.. ومن وراء الرسول ﷺ آيات القرآن الكريم تتنزل من الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، محللة التكوين النفسي

(١) الواقدي ٣/ ١٠٤٢- ١٠٤٤، المسعودي: التنبيه والإشراف ص ٢٣٦.

1 / 305