ضرب الإسكندرية
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
اصناف
إذا صح أن المصادفة لها «دور مهم» في التاريخ، فهذه الفترة من الفترات التي أطلت فيها طوالع المصادفة كلها على المسألة المصرية، فلو تم استعداد «محمد علي» في مصر أيام حروب نابليون لما وجدت دول أوربة فراغا من الوقت للتألب عليه في حربه مع الدولة العثمانية، ولكنه أقدم على هذه الحرب في أوائل سنة 1832 - بعد أن كانت الدول قد فرغت أو كادت من مشكلات نابليون وعقابيلها المتشعبة - فأسرعت روسيا إلى عرض مساعدتها على السلطان «محمود» وخافت إنجلترا وفرنسا من عواقب هذه المساعدة وحيل بين «إبراهيم باشا» وبين التقدم، فقنع بما عرضه عليه السلطان من ولاية سورية وضم إليه بموافقة الدول إقليم أطنة في آسيا الصغرى.
وكان هذا النذير كافيا لوقف الحروب مع تركيا، ولكن فرنسا وعدت «محمد علي» بعد الحرب الأولى بالمساعدة، وعززت وعدها برفض الاشتراك مع إنجلترا لانتزاع الأسطول التركي الذي أوى باختياره إلى الموانئ المصرية. ونشبت الحرب الثانية و«محمد علي» يرجو خيرا من التفرقة بين السياستين الفرنسية والإنجليزية في المسألة الشرقية، ولكن فرنسا لم تصنع شيئا وإنجلترا لم تيأس من مساعيها عند الدول الأخرى، فجددت الدعوة إلى مؤتمر آخر في عاصمتها، وأسفر المؤتمر - باتفاق إنجلترا وروسيا وبروسيا والنمسا - عن المعاهدة التي عرفت باسم «معاهدة لندن سنة 1840» وتقرر فيها حرمان «محمد علي» من ثمرات انتصاره وإعطاؤه جزءا من سورية الجنوبية على شريطة الموافقة من جانبه على هذا الصلح في خلال عشرة أيام.
وقد اعتقد «محمد علي» أن انفصال فرنسا عن الدول - وهي دولة البحر الأبيض المتوسط - يمكنه من رفض معاهدة لندن لصعوبة الاتفاق بين الدول «القارية» على تسيير الجيوش إلى ميدان القتال في سورية وآسيا الصغرى، ولكن إنجلترا وتركيا والنمسا اتفقت على تلفيق حملة بحرية برية لاقتحام سورية، وساعدها على النجاح في هذه الحملة ثورة السوريين وسوء الأحوال في داخل البلاد المصرية ، فأسفرت هذه الحروب والمناورات جميعا عن حرمان «محمد علي» ما استولى عليه خارج البلاد الأفريقية. وصدرت فرمانات سنة 1841 بإقرار «محمد علي» في ولاية مصر وجعلها وراثية للأكبر فالأكبر من أمراء الأسرة العلوية وإلزامه بخراج سنوي للدولة أربعمائة ألف جنيه، وتخويله منح الرتب العسكرية إلى رتبة أميرالاي، وضرب العملة الذهبية والفضية والنحاسية باسم السلطان، وألا يزيد عدد الجيش على ثمانية عشر ألفا في أيام السلم، يرسل من مقترعيهم كل سنة أربعمائة إلى دار الخلافة، وأن تشتمل حدود المملكة المصرية على مقاطعات النوبة ودارفور وكردفان وملحقاتها.
كذلك كان مركز مصر السياسي في أيام «محمد علي» الأخيرة، ومن مزاياه أنه مضمون بموافقة الدول، ومن عيوبه أن هذا الضمان قد فتح الباب للتدخل في المسألة المصرية بحجة المحافظة على «المركز المضمون».
أما نظام الحكم الداخلي على عهد «محمد علي»، فقد كان وسطا بين الحكومة المطلقة والحكومة الدستورية، فكان للوالي مجلسان، أحدهما يشبه مجلس الوزراء ويسمى المجلس المخصوص، والآخر يشبه الجمعية التشريعية ويسمى مجلس المشاورة، ويختار الوالي أعضاءه من وجوه الأقاليم وكبار الموظفين.
وقد اعتزل «محمد علي» الحكم قبل وفاته، ولم يطرأ على مركز مصر ولا على نظام حكومتها تغيير يذكر في عهد خلفه «إبراهيم»، وتولى «عباس الأول» بعد «إبراهيم»، فنقض كثيرا مما بناه جده الكبير، وتم في عهده مد السكة الحديدية من الإسكندرية إلى القاهرة، وأريد بمدها قطع السبيل على «مشروع قناة السويس» الذي توجس منه «محمد علي الكبير» كما تقدم.
وقتل «عباس» فخلفه «محمد سعيد»، وأهم المحدثات التي طرأت في عهده إصدار قانون الأراضي الذي نقل الأرض الزراعية من حكر الحكومة إلى أيدي الفلاحين. وعقد أول قرض أجنبي والترخيص في فتح قناة السويس. وكان يطمح إلى الاستقلال، فاعتقد أن فتح هذا المجاز العالمي في مصر يضمن لها مدافعة الدول عن حوزتها. واتخذ له سياسة وطنية تتجه دائما إلى تقريب المصريين وترقيتهم إلى المناصب الكبيرة، وصك على سبيل التجربة نقودا من العملة الصغيرة باسمه، ثم أخفاها حذرا من غضب الدولة العثمانية، وقد كان يتطلع إلى موافقتها على مشروع القناة.
أما الغير الكبرى كلها فقد تمت في عهد «إسماعيل خلف سعيد»، ففي عهده امتازت مصر بمركز خاص بين الولايات العثمانية، وأطلق لقب الخديو على واليها، وانتقلت الوراثة من الأكبر في الأسرة إلى الأكبر في الأبناء، واتسعت الدولة المصرية في أعالي النيل وأوشكت أن تشمل بلاد الحبشة لولا خيانة القادة من الأجانب على الخصوص، وأنشئت المحاكم المختلطة التي وحدت فروع القضاء الأجنبي وجمعته في نظام واحد، وساهمت مصر في تحريم تجارة الرقيق وتضييق المسالك على النخاسين، وتضاعفت الديون الأجنبية على عجل وفرغ العمل في قناة السويس، فبيعت حصة مصر فيها سدادا لبعض الديون. وكان لهذه الديون مع فتح القناة في إبان اقتراضها وسداد أقساطها، شأن كبير في توجيه مركز مصر السياسي وجهته التي سلكها من منتصف القرن التاسع عشر إلى هذه الأيام في منتصف القرن العشرين.
أصبح من «الأسرار» الشائعة في دوائر الدول العليا أن بريطانيا العظمى تريد أن تتسلل إلى القطر المصري منذ أيام «محمد علي الكبير».
وقد قال القيصر «نقولا الأول» - في فبراير سنة 1839 - لمسيو «بارانت
نامعلوم صفحہ